ثانيهما: أن عمر رضي الله عنه ردّ خبر فاطمة بنت قيس: أن رسول الله صلّى الله عليه وسلم لم يجعل لها سكنى، مع أن زوجها طلقها وبتّ طلاقها، وقد أقر الصحابة عمر على رده هذا، فكان إجماعا، وما ذاك إلا لأنه خبر آحادي لا يفيد إلا الظن، فلا يقوى على معارضة ما هو أقوى منه، وهو كتاب الله إذ يقول: أَسْكِنُوهُنَّ مِنْ حَيْثُ سَكَنْتُمْ مِنْ وُجْدِكُمْ [سورة الطلاق آية: ٦] وسنة رسوله صلّى الله عليه وسلم المتواترة في جعل السكن حقّا من حقوق المبتوتة.
[ملاحظة:]
روت كتب الأصول في هذا الموضع: خبر فاطمة بنت قيس بصيغة مدخولة فيها أن عمر قال حين بلغه الخبر: «لا نترك كتاب ربنا وسنة نبينا لقول امرأة لا ندري أصدقت أم كذبت، حفظت أم نسيت» وعزا بعضهم هذه الرواية المدخولة إلى الإمام مسلم في صحيحه. والحقيقة أن الرواية بهذه الصورة غير صحيحة، كما أن عزوها إلى مسلم غير صحيح.
والرواية الصحيحة في مسلم وغيره ليس فيها كلمة «أصدقت أم كذبت» بل اقتصرت على كلمة «أحفظت أم نسيت»، ومثلك- حماك الله- يعلم أن الشك في حفظ فاطمة ونسيانها لا يقدح في عدالتها وصدقها، فإياك أن تخوض مع الخائضين من المستشرقين وأذنابهم فتطعن في الصحابة وتجرحهم في تثبتهم لمثل هذا الخبر المردود. اه.