وروي ذلك عن مالك أيضا، وروي عن مالك وغيره أنهما سواء. وقد قيل: إن التسوية بينهما مذهب معظم علماء الحجاز والكوفة، ومذهب مالك وأصحابه، وأشياخه من علماء المدينة، ومذهب البخاري وغيرهم.
والصحيح ترجيح السماع من لفظ الشيخ. والحكم بأن القراءة عليه مرتبة ثانية، وقد قيل: إن هذا مذهب جمهور أهل المشرق.
وأما العبارة عنها عند الرواية بها فهي على مراتب، أجودها وأسلمها أن يقول:
«قرأت على فلان، أو قرئ على فلان وأنا أسمع» فهذا سائغ من غير إشكال.
ويتلو ذلك: ما يجوز من العبارات في السماع من لفظ الشيخ إذا أتى بها مقيدة بأن يقول: «حدثنا فلان قراءة عليه، أو أخبرنا قراءة عليه»، ونحو ذلك، وكذلك «أنشدنا قراءة عليه» في الشعر.
وأما إطلاق «حدثنا وأخبرنا» في القراءة على الشيخ فقد اختلفوا فيه على مذاهب.
[القسم الثالث من أقسام طرق نقل الحديث وتحمله: الإجازة:]
وهي متنوعة أنواعا:
أولها: أن يجيز لمعين في معين، مثل أن يقول:«أجزت لك الكتاب الفلاني، أو ما اشتملت عليه فهرستي هذه» فهذا أعلى أنواع الإجازة المجردة عن المناولة. وزعم بعضهم أنه لا خلاف في جوازها، ولا خالف فيها أهل الظاهر، وإنما خلافهم في غير هذا النوع. وزاد القاضي أبو الوليد الباجي المالكي فأطلق نفي الخلاف وقال:«لا خلاف في جواز الرواية بالإجازة من سلف هذه الأمة وخلفها» وادعى الإجماع من غير تفصيل، وحكي الخلاف في العمل بها.
قلت: هذا باطل؛ فقد خالف في جواز الرواية بالإجازة جماعات من أهل الحديث والفقهاء والأصوليين، وذلك إحدى الروايتين عن الشافعي رضي الله عنه. روى عن صاحبه الربيع بن سليمان قال: كان الشافعي لا يرى الإجازة في الحديث. قال الربيع:«أنا أخالف الشافعي في هذا». وقد قال بإبطالها جماعة من الشافعيين منهم القاضيان حسين بن محمد المروزي، وأبو الحسن الماوردي، وبه قطع الماوردي في كتابه «الحاوي» وعزاه إلى مذهب الشافعي وقالا جميعا: «لو جازت الإجازة لبطلت الرحلة». وروى- أيضا- هذا الكلام عن شعبة وغيره.
ثم إن الذي استقر عليه العمل وقال به جماهير أهل العلم من أهل الحديث وغيرهم:
القول بتجويز الإجازة وإباحة الرواية بها، وفي الاحتجاج لذلك غموض. ويتجه أن