الجارية بين الناس المختلفة باختلاف الأشخاص والأزمنة والأمكنة والأحوال، فلا مدخل لذلك في هذا الأمر الديني الذي تنبني عليه قنطرتان عظيمتان وجسران كبيران وهما:
الرواية، والشهادة. نعم من فعل ما يخالف ما يعده الناس مروءة عرفا لا شرعا فهو تارك للمروءة العرفية، ولا يستلزم ذلك ذهاب مروءته الشرعية.
[الصغائر والكبائر]
اختلف الناس: هل المعاصي منقسمة إلى صغائر وكبائر، أم هي قسم واحد؟
فذهب الجمهور إلى أنها صغائر وكبائر، ويدل على ذلك قوله سبحانه: إِنْ تَجْتَنِبُوا كَبائِرَ ما تُنْهَوْنَ عَنْهُ نُكَفِّرْ عَنْكُمْ سَيِّئاتِكُمْ [سورة النساء آية: ٣١]، وقوله: وَكَرَّهَ إِلَيْكُمُ الْكُفْرَ وَالْفُسُوقَ وَالْعِصْيانَ [سورة الحجرات آية: ٧].
ويدل عليه ما ثبت عن النبي صلّى الله عليه وسلم متواترا من تخصيص بعض الذنوب باسم الكبائر وبعضها بأكبر الكبائر.
وذهب جماعة إلى أن المعاصي قسم واحد، ومنهم الأستاذ أبو إسحاق، والجويني، وابن فورك ومن تابعهم، قالوا: إن المعاصي كلها كبائر، وإنما يقال لبعضها صغيرة بالنسبة إلى ما هو أكبر كما يقال: الزنا صغيرة بالنسبة إلى الكفر، والقبلة المحرمة صغيرة بالنسبة إلى الزنا وكلها كبائر. قالوا: ومعنى قوله: إِنْ تَجْتَنِبُوا كَبائِرَ ما تُنْهَوْنَ عَنْهُ إن تجتنبوا الكفر كفّرت عنكم سيئاتكم التي هي دون الكفر، والقول الأول راجح.
وهاهنا مذهب ثالث ذهب إليه الحليمي، فقال: إن المعاصي تنقسم بحسب حد الكبائر إلى ثلاثة أقسام: صغيرة، وكبيرة، وفاحشة، فقتل النفس بغير حق كبيرة، فإن قتل ذا رحم له ففاحشة، فأما الخدشة والضربة مرة أو مرتين فصغيرة، وجعل سائر الذنوب هكذا.
[تعريف الكبائر]
ثم اختلفوا في الكبائر هل تعرف بالحد، أو لا تعرف إلا بالعدد؟ فقال الجمهور:
إنها تعرف بالحد، ثم اختلفوا في ذلك، فقيل: إنها المعاصي الموجبة للحد.
وقال بعضهم: هي ما يلحق صاحبها وعيد شديد.
وقال آخرون: ما يشعر بقلة اكتراث مرتكبها بالدين.
وقيل: ما كان فيه مفسدة.
وقال الجويني: ما نص الكتاب على تحريمه أو أوجب في حقه حدّا. وقيل: ما ورد