[الاصطلاح الأول: أن المكي ما نزل بمكة ولو بعد الهجرة، والمدني: ما نزل بالمدينة،]
ويدخل في مكة ضواحيها كالمنزل على النبي صلّى الله عليه وسلم بمنى وعرفات والحديبية، ويدخل في المدينة ضواحيها- أيضا- كالمنزل عليه في بدر وأحد، وهذا التقسيم لوحظ فيه مكان النزول كما ترى، لكن يرد عليه أنه غير ضابط ولا حاصر؛ لأنه لا يشمل ما نزل بغير مكة والمدينة وضواحيهما، كقوله سبحانه في سورة التوبة: لَوْ كانَ عَرَضاً قَرِيباً وَسَفَراً قاصِداً لَاتَّبَعُوكَ وَلكِنْ بَعُدَتْ عَلَيْهِمُ الشُّقَّةُ وَسَيَحْلِفُونَ بِاللَّهِ لَوِ اسْتَطَعْنا لَخَرَجْنا مَعَكُمْ يُهْلِكُونَ أَنْفُسَهُمْ وَاللَّهُ يَعْلَمُ إِنَّهُمْ لَكاذِبُونَ [سورة التوبة آية: ٤٢]، فإنها نزلت بتبوك.
وقوله سبحانه: وَسْئَلْ مَنْ أَرْسَلْنا مِنْ قَبْلِكَ مِنْ رُسُلِنا أَجَعَلْنا مِنْ دُونِ الرَّحْمنِ آلِهَةً يُعْبَدُونَ [سورة الزخرف آية: ٤٥]، فإنها نزلت ببيت المقدس ليلة الإسراء.
ولا ريب أن عدم الضبط في التقسيم يترك واسطة لا تدخل فيما يذكر من الأقسام، وذلك عيب يخل بالمقصود الأول من التقسيم، وهو الضبط والحصر.
[الاصطلاح الثاني: أن المكي: ما وقع خطابا لأهل مكة، والمدني: ما وقع خطابا لأهل المدينة،]
وعليه يحمل قول من قال: إن ما صدّر في القرآن بلفظ يا أَيُّهَا النَّاسُ فهو مكي، وما صدّر بلفظ يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا فهو مدني؛ لأن الكفر كان غالبا على أهل مكة فخوطبوا ب: يا أَيُّهَا النَّاسُ وإن كان غيرهم داخلا فيهم، ولأن الإيمان كان غالبا على أهل المدينة فخوطبوا ب يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا، وإن كان غيرهم داخلا فيهم- أيضا، وألحق بعضهم صيغة يا بَنِي آدَمَ بصيغة يا أَيُّهَا النَّاسُ.
أخرج أبو عبيد في فضائل القرآن عن ميمون بن مهران قال: ما كان في القرآن يا أَيُّهَا النَّاسُ أو يا بَنِي آدَمَ، فإنه مكي، وما كان ب: يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا، فإنه مدني.
الاصطلاح الثالث وهو المشهور: أن المكي: ما نزل قبل هجرته صلّى الله عليه وسلم إلى المدينة، وإن كان نزوله بغير مكة، والمدني: ما نزل بعد هذه الهجرة
وإن كان نزوله بمكة.
وهذا التقسيم كما ترى لوحظ فيه زمن النزول، وهو تقسيم صحيح سليم؛ لأنه