الأصل واضحة فيها غالبا، ولهذا اعتمدوا عليها في الترجمات الزمنية، وفضّلها المشتغلون بالترجمات على قسيمتها الترجمة الحرفية.
[فروق بين الترجمة والتفسير:]
ومهما تكن الترجمة حرفية أو تفسيرية فإنها غير التفسير مطلقا، سواء أكان تفسيرا بلغة الأصل، أم تفسيرا بغير لغة الأصل، ولكن كثيرا من الكاتبين اشتبه عليهم الأمر، فحسبوا أن الترجمة التفسيرية هي التفسير بغير لغة الأصل، أو هي ترجمة تفسير الأصل، ثم رتبوا على ذلك أن خلعوا حكمها على ترجمة الأصل نفسه، وكان لهذا اللبس والاشتباه مدخل في النزاع والخلاف، لهذا نرى أن نقف هنا وقفة طويلة. نرسم فيها فروقا أربعة- لا فرقا واحدا- بين هذين المشتبهين في نظرهم.
(الفارق الأول): أن صيغة الترجمة صيغة استقلالية يراعى فيها الاستغناء بها عن أصلها وحلولها محله، وليس كذلك التفسير، فإنه قائم أبدا على الارتباط بأصله، بأن يؤتى مثلا بالمفرد أو المركب، ثم يشرح هذا المفرد أو المركب شرحا متصلا به اتصالا يشبه اتصال المبتدأ بخبره إن لم يكن إياه، ثم ينتقل إلى جزء آخر مفرد أو جملة، وهكذا من بداية التفسير إلى نهايته، بحيث لا يمكن تجريد التفسير، وقطع وشائج اتصاله بأصله مطلقا، ولو جرّد لتفكك الكلام وصار لغوا أو أشبه باللغو فلا يؤدي معنى سليما، فضلا عن أن يحل في جملته وتفصيله محل أصله.
(الفارق الثاني): أن الترجمة لا يجوز فيها الاستطراد، أما التفسير فيجوز بل قد يجب فيه الاستطراد، وذلك لأن الترجمة مفروض فيها أنها صورة مطابقة لأصلها حاكية له، فمن الأمانة أن تساويه بدقة من غير زيادة ولا نقص، حتى لو كان في الأصل خطأ لوجب أن يكون الخطأ عينه في الترجمة، بخلاف التفسير فإن المفروض فيه أنه بيان لأصله وتوضيح له، وقد يقتضي هذا البيان والإيضاح أن يذهب المفسر مذاهب شتى في الاستطراد، توجيها لشرحه، أو تنويرا لمن يفسر لهم على مقدار حاجتهم إلى استطراده، ويظهر ذلك في شرح الألفاظ اللغوية خصوصا إذا أريد بها غير ما وضعت له، وفي المواضع التي يتوقف فهمها أو الاقتناع بها على ذكر مصطلحات أو سوق أدلة أو بيان حكمة.
وهذا هو السر في أكثر تفاسير القرآن الكريم تشتمل على استطرادات متنوعة في علوم اللغة، وفي العقائد، وفي الفقه وأصوله، وفي أسباب النزول، وفي الناسخ والمنسوخ، وفي العلوم الكونية والاجتماعية وغير ذلك.
ومن ألوان الاستطراد، تنبيهه على خطأ الأصل إذا أخطأ، كما نلاحظ ذلك في