شروح الكتب العلمية، ويستحيل أن تجد مثل هذا في الترجمة، وإلا كان خروجا عن واجب الأمانة والدقة فيها.
(الفارق الثالث): أن الترجمة تتضمن- عرفا- دعوى الوفاء بجميع معاني الأصل ومقاصده، وليس كذلك التفسير فإنه قائم على الإيضاح كما قلنا، سواء أكان هذا الإيضاح بطريق إجمالي أو تفصيلي، متناولا كافة المعاني والمقاصد، أو مقتصرا على بعضها دون بعض طوعا للظروف التي يخضع لها المفسّر ومن يفسر لهم، والدليل على هذا الفارق، هو حكم العرف العام الذي نتحدث الآن بلسانه، وإليك مثلا من أمثاله:
رجل عثر في مخلفات أبيه على صحيفتين مخطوطتين بلغة أجنبية وهو غير عالم بهذا اللسان الأجنبي، فدفعهما إلى خبير باللغات يستفسره عنهما، فيجيبه الخبير قائلا: إن الصحيفة الأولى خطاب تافه من معوز أجنبي، يستجدي أباك فيه ويستعينه، أما الثانية فوثيقة بدين كبير لأليك على أجنبي. هنا مزّق الرجل خطاب الاستجداء ولم يحفل به، أما الوثيقة فاعتد بها وطلب من هذا المتمكن في اللغات أن يترجمها له ليقاضي المدين أمام المحكمة، لغتها لغة الترجمة.
أليس معنى هذا أن التفسير لم يكفه؟ بدليل أنه طلب الترجمة من المترجم، علما بأنها هي التي تفي بكل ما تضمنته تلك الوثيقة، وبكل ما يقصد منها فلا تضعف له بها حجة، ولا يضيع عليه حق؟.
(الفارق الرابع): أن الترجمة تتضمن- عرفا- دعوى الاطمئنان إلى أن جميع المعاني والمقاصد التي نقلها المترجم، هي مدلول كلام الأصل، وأنها مرادة لصاحب الأصل منه، وليس كذلك التفسير، بل المفسر تارة يدعي الاطمئنان، وذلك إذا توافرت لديه أدلته، وتارة لا يدعيه، وذلك عندما تعوزه تلك الأدلة.
ثم هو طورا يصرح بالاحتمال ويذكر وجوها محتملة مرجحا بعضها على بعض، وطورا يسكت عن التصريح أو عن الترجيح، وقد يبلغ به الأمر أن يعلن عجزه عن فهم كلمة أو جملة ويقول: ربّ الكلام أعلم بمراده، على نحو ما نحفظه لكثير من المفسرين إذا عرضوا لمتشابهات القرآن ولفواتح السور المعروفة.
ودليلنا على أنّ الترجمة تتضمن دعوى الاطمئنان إلى ما حوت من معان ومقاصد، وهو شهادة العرف العام- أيضا- بذلك، وجريان عمل الناس جميعا في الترجمات على هذا الاعتبار، فهم يحلونها محل أصولها إذا شاءوا، ويستغنون بها عن تلك الأصول، بل قد ينسون هذه الأصول جملة، ويغيب عنهم أن الترجمات ترجمات فيحذفون لفظ ترجمة من الاسم،