هذا الطريق طريق النسخ، وبهذه الفرية أيضا يقول الشمعونية، وهم طائفة ثانية من اليهود.
ثالثها: أن النسخ جائز عقلا ممتنع سمعا، وبه تقول العنانية وهي الطائفة الثالثة من طوائف اليهود، ويعزى هذا الرأي لأبي مسلم الأصفهاني من المسلمين، ولكن على اضطراب في النقل عنه وعلى تأويل يجعل خلافه لجمهرة المسلمين شبيها بالخلاف اللفظي إن لم يكنه.
[الأدلة على النسخ]
أولا: قوله تعالى: ما نَنْسَخْ مِنْ آيَةٍ أَوْ نُنْسِها نَأْتِ بِخَيْرٍ مِنْها أَوْ مِثْلِها [سورة البقرة آية: ١٠٦].
ثانيا: قوله تعالى: يَمْحُوا اللَّهُ ما يَشاءُ وَيُثْبِتُ وَعِنْدَهُ أُمُّ الْكِتابِ [سورة الرعد آية: ٣٩].
وقد أسلفنا الكلام على هاتين الآيتين، ونزيدك أن دلالتهما على وقوع النسخ ظاهر فيهما، لأنهما نزلتا ردّا على طعن الطاعنين على الإسلام ونبي الإسلام بوقوع النسخ في الشريعة المطهرة.
ثالثا: قوله تعالى: وَإِذا بَدَّلْنا آيَةً مَكانَ آيَةٍ وَاللَّهُ أَعْلَمُ بِما يُنَزِّلُ قالُوا إِنَّما أَنْتَ مُفْتَرٍ بَلْ أَكْثَرُهُمْ لا يَعْلَمُونَ [سورة النحل آية: ١٠١].
ووجه الدلالة في هذه الآية أن التبديل يتألف من رفع لأصل وإثبات لبدل، وذلك هو النسخ؛ سواء أكان المرفوع تلاوة أو حكما.
رابعا: قوله تعالى: فَبِظُلْمٍ مِنَ الَّذِينَ هادُوا حَرَّمْنا عَلَيْهِمْ طَيِّباتٍ أُحِلَّتْ لَهُمْ [سورة النساء آية: ١٦٠].
ووجه الدلالة فيها أنها تفيد تحريم ما أحلّ من قبل وما ذلك إلا نسخ، وكلمة أُحِلَّتْ لَهُمْ يفهم منها أن الحكم الأول كان حكما شرعيّا لا براءة أصلية.
خامسا: أن سلف الأمة أجمعوا على أنّ النسخ وقع في الشريعة الإسلامية كما وقع بها.
سادسا: أن في القرآن آيات كثيرة نسخت أحكامها.
وهذا دليل في طيه أدلة متعددة؛ لأن كل آية من هذه الآيات المنسوخة، تعتبر مع ناسخها دليلا كاملا على وقوع النسخ، إذ الوقوع يكفي في إثباته وجود فرد واحد.
وسنتحدث فيما بعد إن شاء الله عن هذه الآيات المنسوخة وما نسخها.