اعلم أن الخبر المتواتر لا يكون مفيدا للعمل الضروري إلا بشروط: منها ما يرجع إلى المخبرين، ومنها ما يرجع إلى السامعين، فالتي ترجع إلى المخبرين أربعة:
الشرط الأول: أن يكونوا عالمين بما أخبروا به غير مجازفين، فلو كانوا ظانين لذلك فقط؛ لم يفد القطع، هكذا اعتبر هذا الشرط جماعة من أهل العلم منهم القاضي أبو بكر الباقلاني، وقيل إنه غير محتاج إليه لأنه إن أريد وجوب علم الكل به فباطل؛ لأنه لا يمتنع أن يكون بعض المخبرين به مقلدا فيه أو ظانّا له أو مجازفا، وإن أريد وجوب علم البعض فمسلّم ولكنه مأخوذ من شرط كونهم مستندين إلى الحس.
الشرط الثاني: أن يعلموا ذلك عن ضرورة من مشاهدة أو سماع؛ لأن ما لا يكون كذلك يحتمل دخول الغلط فيه.
قال الأستاذ أبو منصور: فأما إذا تواترت أخبارهم عن شيء قد علموه واعتقدوه بالنظر والاستدلال أو عن شبهة، فإن ذلك لا يوجب علما ضروريّا؛ لأن المسلمين مع تواترهم يخبرون الدهرية بحدوث العالم وتوحيد الصانع، ويخبرون أهل الذمة بصحة نبوة نبينا محمد صلّى الله عليه وسلم فلا يقع لهم العلم الضروري بذلك؛ لأن العلم به من طريق الاستدلال دون الاضطرار. اه.
ومن تمام هذا الشرط أن لا تكون المشاهدة والسماع على سبيل غلط الحس كما في أخبار النصارى بصلب المسيح عليه السّلام.
وأيضا لا بد أن يكونوا على صفة يوثق معها بقولهم، فلو أخبروا متلاعبين أو مكرهين على ذلك؛ لم يوثق بخبرهم ولا يلتفت إليه.
الشرط الثالث: أن يصل عددهم إلى حد يمنع في العادة تواطؤهم على الكذب، ولا يقيد ذلك بعدد معين بل ضابطه حصول العلم الضروري به، فإذا حصل ذلك علمنا أنه متواتر وإلا فلا، وهذا قول الجمهور، وهناك أقوال كثيرة غير ذلك لا يعبأ بها.
الشرط الرابع: وجود العدد المعتبر في كل الطبقات، فيروى ذلك العدد عن مثله إلى أن يتصل بالمخبر عنه.
وقد اشترط عدالة النقلة لخبر المتواتر، فلا يصح أن يكونوا أو بعضهم غير عدول، وعلى هذا لا بد أن لا يكونوا كفارا ولا فسّاقا.
ولا وجه لهذا الاشتراط؛ فإن حصول العلم الضروري بالخبر المتواتر لا يتوقف على ذلك، بل يحصل بخبر الكفار والفساق والصغار المميزين والأحرار والعبيد وذلك هو المعتبر.