[دليل تنجيم هذا النزول]
والدليل على تفرق هذا النزول وتنجيمه، قول الله- تعالت حكمته- في سورة الإسراء: وَقُرْآناً فَرَقْناهُ لِتَقْرَأَهُ عَلَى النَّاسِ عَلى مُكْثٍ وَنَزَّلْناهُ تَنْزِيلًا [سورة الإسراء آية: ١٠٦].
وقوله: وَقالَ الَّذِينَ كَفَرُوا لَوْلا نُزِّلَ عَلَيْهِ الْقُرْآنُ جُمْلَةً واحِدَةً كَذلِكَ لِنُثَبِّتَ بِهِ فُؤادَكَ وَرَتَّلْناهُ تَرْتِيلًا (٣٢) وَلا يَأْتُونَكَ بِمَثَلٍ إِلَّا جِئْناكَ بِالْحَقِّ وَأَحْسَنَ تَفْسِيراً [سورة الفرقان آية: ٣٢، ٣٣].
روي أن الكفار من يهود المشركين عابوا على النبي صلّى الله عليه وسلم نزول القرآن مفرقا، واقترحوا عليه أن ينزل جملة، فأنزل الله هاتين الآيتين ردّا عليهم، وهذا الرد يدل على أمرين:
أحدهما: أن القرآن نزل مفرقا على النبي صلّى الله عليه وسلم.
الثاني: أن الكتب السماوية من قبله نزلت جملة، كما اشتهر ذلك بين جمهور العلماء حتى كاد يكون إجماعا.
[الحكم والأسرار في تنجيم القرآن]
لتنجيم نزول القرآن الكريم آثار عدة وحكم كثيرة، نستطيع أن نجملها في أربع حكم رئيسية.
الحكمة الأولى تثبيت فؤاد النبي صلّى الله عليه وسلم، وتقوية قلبه
، وذلك من وجوه أربعة:
الوجه الأول: أن في تجدد الوحي، وتكرار نزول الملك به من جانب الحق سبحانه وتعالى إلى رسوله صلّى الله عليه وسلم، سرورا يملأ قلب الرسول، وغبطة تشرح صدره، وكلاهما يتجدد عليه بسبب ما يشعر به من هذه العناية الإلهية وتعهد مولاه إياه في كل نوبة من نوبات هذا النزول.
الوجه الثاني: أن في التنجيم تيسيرا عليه من الله في حفظه، وفهمه، ومعرفة أحكامه وحكمه، كما أن فيه تقوية لنفسه الشريفة على ضبط ذلك كله.
الوجه الثالث: أن في تأييد حقه ودحض باطل عدوه- المرة بعد الأخرى- تكرارا للذة فوزه وفلجه بالحق والصواب، وشهوده لضحايا الباطل في كل مهبط للوحي والكتاب وكل ذلك مشجع للنفس مقوّ للقلب والفؤاد.
الوجه الرابع: تعهد الله إياه عند اشتداد الخصام بينه وبين أعدائه بما يهون عليه هذه