قال الترمذي في العلل: كل من كان متهما في الحديث بالكذب، أو كان مغفلا يخطئ الكثير، فالذي اختاره أكثر أهل الحديث من الأئمة أن لا يشتغل بالرواية عنه. اه.
والحاصل: أن الأحوال ثلاثة: إن غلب خطؤه وسهوه على حفظه؛ فمردود إلا فيما علم أنه لم يخطئ فيه، وإن غلب حفظه على خطئه وسهوه؛ فمقبول إلا فيما علم أنه أخطأ فيه، وإن استويا، فالخلاف. قال القاضي عبد الجبار: يقبل لأن جهة التصديق راجحة في خبره لعقله ودينه.
وقال الشيخ أبو إسحاق: إنه يردّ.
وقيل: إنه يقبل خبره إذا كان مفسرا، وهو أن يذكر من روى عنه ويعين وقت السماع منه وما أشبه ذلك، وإلا فلا يقبل. وبه قال القاضي حسين، وحكاه الجويني عن الشافعي في الشهادة، ففي الرواية أولى.
وقد أطلق جماعة من المصنفين في علوم الحديث أن الراوي إن كان تام الضبط مع بقية الشروط المعتبرة فحديثه من قسم الصحيح، وإن خفّ ضبطه؛ فحديثه من قسم الحسن، وإن كثر غلطه؛ فحديثه من قسم الضعيف.
وقال الكيا الطبري: ولا يشترط انتفاء الغفلة، ولا يوجب لحوق الغفلة له ردّ حديثه إلا ما يعلم أنه قد لحققه الغفلة فيه بعينه.
وما ذكره صحيح إذا كان ممن تعتريه الغفلة في غير ما يرويه، كما وقع ذلك لجماعة من الحفاظ؛ فإنهم قد تلحقهم الغفلة في كثير من أمور الدنيا، فإذا رووا كانوا من أحذق الناس بالرواية وأنبههم فيما يتعلق بها.
وليس من شرط الضبط أن يضبط اللفظ بعينه كما سيأتي.
الشرط الخامس: أن لا يكون الراوي مدلسا، وسواء كان التدليس في المتن أو في الإسناد. أما التدليس في المتن: فهو أن يزيد في كلام رسول الله صلّى الله عليه وسلم كلام غيره، فيظن السامع أن الجميع من كلام رسول الله صلّى الله عليه وسلم.
وأما التدليس في الإسناد: فهو على أنواع:
أحدها: أن يكون في إبدال الأسماء فيغيّر عن الراوي وعن أبيه اسميهما وهذا نوع من الكذب.
وثانيها: أن يسميه بتسمية غير مشهورة، فيظن السامع أنه رجل آخر غير من قصده الراوي، وذلك مثل من يكون مشهورا باسمه فيذكره الراوي بكنيته أو العكس، إيهاما