أحدهما: تأليف السور، كتقديم السبع الطوال وتعقيبها بالمئين، فهذا هو الذي تولته الصحابة رضي الله عنهم، وأما الجمع الآخر وهو جمع الآيات في السور، فذلك شيء تولاه النبي صلّى الله عليه وسلم كما أخبر به جبريل عن أمر ربه عزّ وجل.
وقد استدلوا على رأيهم هذا بأمرين: أولا: أن مصاحف الصحابة كانت مختلفة في ترتيب السور قبل أن يجمع القرآن في عهد عثمان، فلو كان هذا الترتيب توقيفيّا منقولا عن النبي صلّى الله عليه وسلم ما ساغ لهم أن يهملوه ويتجاوزوه ويختلفوا فيه ذلك الاختلاف الذي تصوره لنا الروايات.
فهذا مصحف أبي بن كعب، روي أنه كان مبدوءا بالفاتحة ثم البقرة، ثم النساء، ثم آل عمران، ثم الأنعام.
وهذا مصحف ابن مسعود كان مبدوءا بالبقرة، ثم النساء، ثم آل عمران .. إلخ على اختلاف شديد.
وهذا مصحف عليّ كان مرتبا على النزول، فأوله «اقرأ» ثم «المدثر» ثم «ق»، ثم «المزمل»، ثم «تبت»، ثم «التكوير»، وهكذا إلى آخر المكي والمدني.
ثانيا: ما أخرجه ابن أشته في المصاحف من طريق إسماعيل بن عباس عن حبان بن يحيى عن أبي محمد القرشي قال: «أمرهم عثمان أن يتابعوا الطوال فجعل سورة الأنفال وسورة التوبة في السبع، ولم يفصل بينهما «ببسم الله الرحمن الرحيم» اه.
ولعله يشير بهذا إلى ما رواه أحمد والترمذي والنسائي وابن حبان والحاكم عن ابن عباس قال: قلت لعثمان: ما حملكم على أن عمدتم إلى الأنفال وهي من المثاني، وإلى براءة وهي من المئين، ففرقتم بينهما، ولم تكتبوا بينهما سطر «بسم الله الرحمن الرحيم» ووضعتموهما في السبع الطوال؟ فقال عثمان رضي الله عنه: كان رسول الله صلّى الله عليه وسلم تنزل عليه السور ذوات العدد، فكان إذا نزل عليه شيء دعا بعض من يكتب فيقول:
«ضعوا هذه الآيات في السورة التي يذكر فيها كذا وكذا»، وكانت الأنفال من أوائل ما نزل بالمدينة وكانت براءة من آخر القرآن نزولا، وكانت قصتها شبيهة بقصتها، فظننت أنها منها، فقبض رسول الله صلّى الله عليه وسلم، ولم يبين لنا أنها منها، فمن أجل ذلك قرنت بينهما، ولم أكتب بينهما سطر «بسم الله الرحمن الرحيم» ووضعتهما في السبع الطوال» اه.
ويمكن أن يناقش هذا المذهب بالأحاديث الدالة على التوقيف وسيأتيك في الاحتجاج للقول الثاني، ويمكن- أيضا- مناقشة دليلهم الأول باحتمال أن اختلاف من خالف من