الأصلية، ومنها ما استفيد من معانيه الثانوية.
أما القسم الأول فواضح لا يحتاج إلى تمثيل، وهو موضع اتفاق بين الجميع، وأما القسم الثاني ففيه دقة جعلت بعض الباحثين يجادل فيه، وإنا نوضحه لك بأمثلة نستمدها من فاتحة الكتاب العزيز:
- منها: استفادة أدب الابتداء بالبسملة في كل أمر ذي بال، أخذا من ابتداء الله كلامه بها، ومن افتتاحه كل سورة من سوره بها عدا سورة التوبة.
- ومنها: أن الاستعانة في أي شيء لا تستمد إلا من اسم الله وحده، أخذا من إضافة الاسم إلى لفظ الجلالة موصوفا بالرحمن الرحيم، ومن القصر المفهوم من البسملة على تقدير عامل الجار والمجرور متأخرا، ومن تقدير هذا العامل عامّا لا خاصّا.
- ومنها: استفادة الاستدلال على أن الحمد مستحق لله بأمور ثلاثة: تربيته تعالى للعوالم كلها، ورحمته الواسعة التي ظهرت آثارها وتأصّل اتصافه تعالى بها، وتصرفه وحده بالجزاء العادل يوم الجزاء، وذلك أخذا من جريان هذه الأوصاف على اسم الجلالة في مقام حمده بقوله سبحانه: الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعالَمِينَ (٢) الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ (٣) مالِكِ يَوْمِ الدِّينِ.
- ومنها: استفادة التوحيد بنوعيه: توحيد الألوهية، وتوحيد الربوبية من القصر الماثل في قوله سبحانه إِيَّاكَ نَعْبُدُ وَإِيَّاكَ نَسْتَعِينُ.
ومنها: استفادة دليل هذا التوحيد من الآيات السابقة عليه ووقوعه هو في سياقها عقيبها كما تقع النتيجة عقب مقدماتها.
- ومنها: استفادة أن الهداية إلى الصراط المستقيم هي المطمع الأسمى الذي يجب أن يرمي إليه الناس ويتنافس فيه المتنافسون، يدل على ذلك اختيارها والاقتصار على طلبها والدعاء بها، ثم انتهاء سورة الفاتحة بها كما تنتهي البدايات بمقاصدها.
- ومنها: استفادة أن الهداية لا يرجى فيها إلا الله وحده؛ لأنها انتظمت مع آيات التوحيد قبلها في سمط (خيط) واحد.
- ومنها: استفادة أدب من الآداب، هو أن يقدم الداعي ثناء الله على دعائه، استنتاجا من ترتيب هذه الآيات الكريمة، حيث تقدم فيها ما يتصل بحمد الله وتمجيده وتوحيده على ما يتصل بدعائه واستهدائه.
هذه أمثلة اقتبسناها من سورة الفاتحة ونحن لا نظن أن أحدا يخاصم فيها.
واعلم أن قرآنية القرآن وامتيازه، ترتبط بمعانيه الثانوية وما استفيد منها، أكثر مما