الأخير مرتين. كل ذلك كان على الترتيب المعروف لنا في المصاحف. وكذلك كان كل من حفظ القرآن أو شيئا منه من الصحابة، حفظه مرتب الآيات على هذا النمط، يتدارسونه فيما بينهم، ويقرءونه في صلاتهم، ويأخذه بعضهم عن بعض، ويسمعه بعضهم من بعض بالترتيب القائم الآن، فليس لواحد من الصحابة والخلفاء الراشدين يد ولا تصرف في ترتيب شيء من آيات القرآن الكريم. بل الجمع الذي كان على عهد أبي بكر لم يتجاوز نقل القرآن من العسب واللخاف وغيرها في مصحف، والجمع الذي كان على عهد عثمان لم يتجاوز نقله من الصحف في مصاحف. وكلا هذين كان وفق الترتيب المحفوظ المستفيض عن النبي صلّى الله عليه وسلم عن الله تعالى.
أجل: انعقد الإجماع على ذلك تامّا لا ريب فيه. وممن حكى هذا الإجماع جماعة منهم الزركشي في البرهان، وأبو جعفر في المناسبات إذ يقول ما نصه:«ترتيب الآيات في سورها واقع بتوقيفه صلّى الله عليه وسلم وأمره من غير خلاف في هذا بين المسلمين.
واستند هذا الإجماع إلى نصوص كثيرة: منها ما سبق لك قريبا، ومنها ما رواه الإمام أحمد عن عثمان بن أبي العاص قال: كنت جالسا عند رسول الله صلّى الله عليه وسلم إذ شخص ببصره ثم صوبه ثم قال: «أتاني جبريل فأمرني أن أضع هذه الآية في هذا الموضع من السورة إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُ بِالْعَدْلِ وَالْإِحْسانِ وَإِيتاءِ ذِي الْقُرْبى وَيَنْهى عَنِ الْفَحْشاءِ وَالْمُنْكَرِ وَالْبَغْيِ يَعِظُكُمْ لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ» [سورة النحل آية: ٩٠].
ومنها ما ثبت في السنن الصحيحة من قراءة النبي صلّى الله عليه وسلم بسور عديدة كسورة البقرة، وآل عمران، والنساء، ومن قراءته لسورة الأعراف في صلاة المغرب، وسورة قَدْ أَفْلَحَ الْمُؤْمِنُونَ وسورة «الروم» في صلاة الصبح، وقراءة سورة «السجدة» وسورة هَلْ أَتى عَلَى الْإِنْسانِ في صبح يوم الجمعة، وقراءة سورتي «الجمعة والمنافقون» في صلاة الجمعة، وقراءته سورة «ق» في الخطبة، وسورتي «اقتربت وق» في صلاة العيد، كان يقرأ ذلك كله مرتب الآيات على النحو الذي في المصحف على مرأى ومسمع من الصحابة.
ومنها ما رواه مسلم عن عمر قال: ما سألت النبي صلّى الله عليه وسلم عن شيء أكثر مما سألته عن الكلالة حتى طعن بأصبعه في صدري: «تكفيك آية الصيف التي في آخر سورة النساء».
فأنت ترى أنه صلّى الله عليه وسلم دله على موضع تلك الآية من سورة النساء، وهي قوله سبحانه: