السبعة قراءة القراء السبعة؛ لأن الحق لا يختلف فيه، وقد روى سويد بن غفلة عن علي ابن أبي طالب أن عثمان قال: ما ترون في المصاحف فإن الناس قد اختلفوا في القراءة حتى إن الرجل ليقول: إن قراءتي خير من قراءتك، وقراءتي أفضل من قراءتك، وهذا شبيه بالكفر، قلنا: ما الرأي عندك يا أمير المؤمنين؟. قال: الرأي عندي أن يجتمع الناس على قراءة، فإنكم إذا اختلفتم اليوم كان من بعدكم أشد اختلافا، قلنا: الرأي رأيك يا أمير المؤمنين. فأرسل عثمان إلى حفصة أن أرسلي إلينا بالصحف ننسخها في المصاحف ثم نردها إليك، فأرسلت بها إليه فأمر زيد بن ثابت، وعبد الله بن الزبير، وسعيد بن العاصي، وعبد الرحمن بن الحارث بن هشام، فنسخوها في المصاحف، وقال عثمان للرهط القرشيين: إذا اختلفتم أنتم وزيد بن ثابت في شيء من القرآن فاكتبوه بلسان قريش، فإنما نزل بلسانهم، ففعلوا حتى إذا نسخوا الصحف في المصاحف رد عثمان الصحف إلى حفصة، وأرسل إلى كل أفق بمصحف مما نسخوا، وأمر بما سوى ذلك من القرآن في كل صحيفة أو مصحف أن يحرق، وكان هذا من عثمان رضي الله عنه بعد أن جمع المهاجرين والأنصار وجلة أهل الإسلام وشاورهم في ذلك، فاتفقوا على جمعه بما صح وثبت من القراءات المشهورة عن النبي صلّى الله عليه وسلم واطّراح ما سواها، واستصوبوا رأيه وكان رأيا سديدا موفقا رحمة الله عليه وعليهم أجمعين.
قال ابن شهاب: وأخبرني عبيد الله بن عبد الله أن عبد الله بن مسعود كره لزيد بن ثابت نسخ المصاحف، وقال،: يا معشر المسلمين، أعزل عن نسخ المصاحف ويتولاه رجل، والله لقد أسلمت وإنه لفي صلب رجل كافر؟ يريد زيد بن ثابت.
قال أبو بكر الأنباري: ولم يكن الاختيار لزيد من جهة أبي بكر وعمر وعثمان على عبد الله بن مسعود في جمع القرآن، وعبد الله أفضل من زيد، وأقدم في الإسلام وأكثر سوابق وأعظم فضائل، إلا لأن زيدا كان أحفظ للقرآن من عبد الله إذ وعاه كله، ورسول الله صلّى الله عليه وسلم حي، والذي حفظ منه عبد الله في حياة رسول الله صلّى الله عليه وسلم نيف وسبعون سورة، ثم تعلّم الباقي بعد وفاة الرسول، فالذي ختم القرآن وحفظه ورسول الله صلّى الله عليه وسلم حي أولى بجمع المصحف وأحق بالإيثار والاختيار، ولا ينبغي أن يظن جاهل أن في هذا طعنا على عبد الله بن مسعود؛ لأن زيدا إذا كان أحفظ للقرآن منه فليس ذلك موجبا لتقدمته عليه؛ لأن أبا بكر
وعمر رضي الله عنهما كان زيد أحفظ منهما للقرآن، وليس هو خيرا منهما، ولا مساويا لهما في الفضائل والمناقب.
ونسخ منها عثمان نسخا، قال غيره: قيل سبعة، وقيل أربعة، وهو الأكثر، ووجّه بها