للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

بكر: إنك رجل شاب عاقل ولا نتهمك، كنت تكتب الوحي لرسول الله صلّى الله عليه وسلم، فتتبع القرآن فاجمعه، فو الله لو كلفني نقل جبل من الجبال ما كان أثقل عليّ مما أمرني به من جمع القرآن؛ قلت: كيف تفعلان شيئا لم يفعله رسول الله صلّى الله عليه وسلم؟ فقال أبو بكر: هو والله خير، فلم أزل أراجعه حتى شرح الله صدري للذي شرح له صدر أبي بكر وعمر؛ فقمت فتتبعت القرآن أجمعه من الرقاع والأكتاف والعسب، وصدور الرجال، حتى وجدت من سورة التوبة آيتين مع خزيمة الأنصاري لم أجدهما مع غيره لَقَدْ جاءَكُمْ رَسُولٌ مِنْ أَنْفُسِكُمْ إلى آخرها. فكانت الصحف التي جمع فيها القرآن عند أبي بكر حتى توفاه الله، ثم عند عمر حتى توفاه الله، ثم عند حفصة بنت عمر.

وقال الترمذي في حديثه عنه: فوجدت آخر سورة براءة مع خزيمة بن ثابت لَقَدْ جاءَكُمْ رَسُولٌ مِنْ أَنْفُسِكُمْ عَزِيزٌ عَلَيْهِ ما عَنِتُّمْ حَرِيصٌ عَلَيْكُمْ بِالْمُؤْمِنِينَ رَؤُفٌ رَحِيمٌ (١٢٨) فَإِنْ تَوَلَّوْا فَقُلْ حَسْبِيَ اللَّهُ لا إِلهَ إِلَّا هُوَ عَلَيْهِ تَوَكَّلْتُ وَهُوَ رَبُّ الْعَرْشِ الْعَظِيمِ [قال: حديث حسن صحيح].

وفي البخاري عن زيد بن ثابت قال: لما نسخنا الصحف في المصاحف فقدت آية من سورة الأحزاب كنت أسمع رسول الله صلّى الله عليه وسلم يقرؤها، لم أجدها مع أحد إلا مع خزيمة الأنصاري الذي جعل رسول الله صلّى الله عليه وسلم شهادته بشهادة رجلين رِجالٌ صَدَقُوا ما عاهَدُوا اللَّهَ عَلَيْهِ.

فإن قيل: فما وجه جمع عثمان الناس على مصحفه، وقد سبقه أبو بكر إلى ذلك وفرغ منه؟ قيل: إن عثمان رضي الله عنه لم يقصد بما صنع جمع الناس على تأليف المصحف، ألا ترى كيف أرسل إلى حفصة: أن أرسلي إلينا بالصحف ننسخها ثم نردّها إليك على ما يأتي؛ وإنما فعل ذلك عثمان؛ لأن الناس اختلفوا في القراءات بسبب تفرق الصحابة في البلدان واشتد الأمر في ذلك وعظم اختلافهم وتشبثهم ووقع بين أهل الشام والعراق ما ذكره حذيفة رضي الله عنه وذلك أنهم اجتمعوا في غزوة أرمينية فقرأت كل طائفة بما روي لها، فاختلفوا وتنازعوا وأظهر بعضهم إكفار بعض والبراءة منه وتلاعنوا، فأشفق حذيفة مما رأى منهم، فلما قدم حذيفة المدينة «فيما ذكر البخاري والترمذي» دخل إلى عثمان قبل أن يدخل إلى بيته، فقال: أدرك هذه الأمة قبل أن تهلك، قال: في ماذا؟ قال:

في كتاب الله، إني حضرت هذه الغزوة وجمعت ناسا من العراق والشام والحجاز فوصف له ما تقدم، وقال: إني أخشى عليهم أن يختلفوا في كتابهم كما اختلف اليهود والنصارى، قلت: وهذا أدل دليل على بطلان من قال: إن المراد بالأحرف

<<  <   >  >>