علل الحديث إلهام، لو قلت للعالم بعلل الحديث: من أين قلت هذا؟ لم يكن له حجة، وكم من شخص لا يهتدي لذلك، وقيل له- أيضا-: إنك تقول للشيء:
هذا صحيح، وهذا لم يثبت، فعمّن تقول ذلك؟ فقال: أرأيت لو أتيت الناقد فأريته دراهمك، فقال: هذا جيد، وهذا بهرج، أكنت تسأل عن ذلك، أو تسلّم له الأمر؟! قال: بل أسلم له الأمر، قال: فهذا كذلك لطول المجالسة والمناظرة والخبرة.
وسئل أبو زرعة:«ما الحجة في تعليلكم الحديث؟ فقال: الحجة أن تسألني عن حديث به علة فأذكر علته، ثم تقصد ابن وارة: يعني محمد بن مسلم بن وارة، وتسأله عنه فيذكر علته، ثم تقصد أبا حاتم. فيعلله. ثم تميّز كلامنا على ذلك الحديث، فإن وجدت بيننا خلافا فاعلم أن كلّا منا تكلم على مراده، وإن وجدت الكلمة متفقة، فاعلم حقيقة هذا العلم. ففعل الرجل ذلك، فاتفقت كلمتهم، فقال: أشهد أن هذا العلم إلهام».
والعلة قد تكون بالإرسال في الموصول أو الوقف في المرفوع، أو بدخول حديث في حديث أو وهم واهم أو غير ذلك، مما يتبين للعارف بهذا الشأن من جمع الطرق ومقارنتها، ومن قرائن تنضم إلى ذلك.
وأكثر ما تكون العلل في أسانيد الأحاديث فتقدح في الإسناد والمتن معا، إذا ظهر منها ضعف الحديث.
وقد تقدح في الإسناد وحده، إذا كان الحديث مرويّا بإسناد آخر صحيح. مثل الحديث الذي رواه يعلى بن عبيد الطنافسي- أحد الثقات- عن سفيان الثوري عن عمرو بن دينار عن ابن عمر عن النبي صلّى الله عليه وسلم قال:«البيعان بالخيار» ... الحديث، فهذا الإسناد متصل بنقل العدل عن العدل، وهو معلول، وإسناده غير صحيح، والمتن صحيح على كل حال؛ لأن يعلى بن عبيد غلط على سفيان في قوله:«عمرو بن دينار» وإنما صوابه «عبد الله بن دينار». هكذا رواه الأئمة من أصحاب سفيان. كأبي نعيم الفضل بن دكين، ومحمد بن يوسف الفريابي، ومخلد بن يزيد وغيرهم، ورووه عن سفيان عن عبد الله بن دينار عن ابن عمر.
وقد تقع العلة في متن الحديث، كالحديث الذي أخرجه مسلم في صحيحه من رواية الوليد بن مسلم: حدثنا الأوزاعي عن قتادة أنه كتب إليه يخبره عن أنس بن مالك أنه حدثه قال: صليت خلف النبي صلّى الله عليه وسلم وأبي بكر، وعمر، وعثمان، فكانوا يستفتحون ب الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعالَمِينَ، ولا يذكرون «بسم الله الرحمن الرحيم» في أول قراءة ولا في آخرها. ثم رواه مسلم- أيضا- من رواية الوليد عن الأوزاعي. أخبرني إسحاق