للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

له الدليل والبرهان، كأن رأيهم ومذهبهم هو المقياس والميزان، أو كأنه الكتاب والسنة والإسلام، وهكذا استزلهم الشيطان وأعماهم الغرور.

ولقد نجم عن هذه الغلطة الشنيعة أن تفرق كثير من المسلمين شيعا وأحزابا، وكانوا حربا على بعضهم وأعداء، وغاب عنهم أن الكتاب والسنة والإسلام أوسع من مذاهبهم وآرائهم، وأن مذاهبهم وآراءهم أضيق من الكتاب والسنة والإسلام، وأن في ميدان الحنيفية السمحة متسعا لحرية الأفكار، واختلاف الأنظار، مادام الجميع معتصما بحبل الله.

ثم غاب عنهم أن الله تعالى يقول: وَاعْتَصِمُوا بِحَبْلِ اللَّهِ جَمِيعاً وَلا تَفَرَّقُوا وَاذْكُرُوا نِعْمَتَ اللَّهِ عَلَيْكُمْ إِذْ كُنْتُمْ أَعْداءً فَأَلَّفَ بَيْنَ قُلُوبِكُمْ فَأَصْبَحْتُمْ بِنِعْمَتِهِ إِخْواناً [سورة آل عمران آية: ١٠٣].

ويقول جل ذكره: إِنَّ الَّذِينَ فَرَّقُوا دِينَهُمْ وَكانُوا شِيَعاً لَسْتَ مِنْهُمْ فِي شَيْءٍ [سورة الأنعام آية: ١٥٩].

ويقول تقدست أسماؤه: وَلا تَكُونُوا كَالَّذِينَ تَفَرَّقُوا وَاخْتَلَفُوا مِنْ بَعْدِ ما جاءَهُمُ الْبَيِّناتُ وَأُولئِكَ لَهُمْ عَذابٌ عَظِيمٌ (١٠٥) يَوْمَ تَبْيَضُّ وُجُوهٌ وَتَسْوَدُّ وُجُوهٌ [سورة آل عمران آية: ١٠٥، ١٠٦].

لمثل هذا أربأ بنفسي وبك أن تتهم مسلما بالكفر أو البدعة والهوى لمجرد أنه خالفنا في رأي إسلامي نظري، فإن الترامي بالكفر والبدعة من أشنع الأمور.

ولقد قرر علماؤنا أن الكلمة إذا احتملت الكفر من تسعة وتسعين وجها ثم احتملت الإيمان من وجه واحد، حملت على أحسن المحامل وهو الإيمان، وهذا موضوع مفروغ منه ومن التدليل عليه، لكن يفت في عضدنا غفلة كثير من إخواننا المسلمين عن هذا الأدب الإسلامي العظيم، الذي يحفظ الوحدة، ويحمي الأخوة، ويظهر الإسلام بصورته الحسنة ووجهه الجميل من السماحة واليسر، واتساعه لجميع الاختلافات الفكرية والمنازع المذهبية، والمصالح البشرية، مادامت معتصمة بالكتاب والسنة على وجه من الوجوه الصحيحة التي يحتملها النظر السديد والتأويل الرشيد.

ولقد حدث مثل هذا الاختلاف على عهد رسول الله صلّى الله عليه وسلم بين أصحابه، فما تنازعوا من أجله، بل أخذ كل برأيه وهو يحترم الآخر ورأيه، وأقرهم الرسول صلّى الله عليه وسلم على ذلك، ولم يعب أحدا منهم، على رغم أنه ترتب على بعض هذه الاختلافات أن ترك بعضهم الصلاة في وقتها اجتهادا منه، إذ قال الرسول صلّى الله عليه وسلم لفئة من أصحابه: «لا يصلين أحدكم العصر إلا في بني قريظة» فسافروا وجدّوا، ولكن الغزالة تدلت للغروب وهم لا يزالون ضاربين في الأرض، ولمّا يصلّوا. هنالك اجتهدوا، فمنهم من وقف عند ظاهر النص

<<  <   >  >>