للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

والرواية عن الثلاثة قليلة جدّا، وكأن السبب في ذلك تقدم وفاتهم اه.

ومعنى هذا أن السبب في إقلال الثلاثة- أبي بكر، وعمر، وعثمان- من التفسير، أنهم كانوا في وسط أغلب أهله علماء بكتاب الله، واقفون على أسرار التنزيل، عارفون بمعانيه وأحكامه، مكتملة فيهم خصائص العروبة.

أما الإمام عليّ رضي الله عنه: فقد عاش بعدهم حتى كثرت حاجة الناس في زمانه إلى من يفسّر لهم القرآن، وذلك لاتساع رقعة الإسلام، ودخول العجم في هذا الدين الجديد ممن كادت تذوب بهم خصائص العروبة، ونشأة جيل من أبناء الصحابة كان في حاجة إلى علم الصحابة، فلا جرم كان ما نقل عن عليّ أكثر مما نقل عن غيره، أضف إلى ذلك ما امتاز به الإمام من خصوبة الفكر، وغزارة العلم، وإشراق القلب: ثم أضف- أيضا- سبق اشتغال الثلاثة بمهام الخلافة وتصريف الحكم دونه.

روى معمر عن وهب بن عبد الله بن أبي الطفيل قال: شهدت عليّا رضي الله عنه يخطب ويقول: سلوني، فو الله لا تسألوني عن شيء إلا أخبرتكم، وسلوني عن كتاب الله، فو الله ما من آية إلا وأنا أعلم أبليل نزلت أم بنهار؟ أفي سهل أم في جبل؟.

وفي رواية عنه قال: والله ما نزلت آية إلا وقد علمت فيم أنزلت؟ وأين نزلت؟ إن ربي وهب لي قلبا عقولا، ولسانا سؤولا .. اه.

وقد كثرت الروايات- أيضا- عن ابن مسعود، وحسبك في معرفة خطره وجلالة قدره ما رواه أبو نعيم عن أبي البحتري قال: قالوا لعليّ: أخبرنا عن ابن مسعود؟ قال:

علم القرآن والسنة ثم انتهى، وكفى بذلك علما.

وأما ابن عباس: فهو ترجمان القرآن بشهادة رسول الله صلّى الله عليه وسلم، فعن مجاهد قال:

قال ابن عباس، قال لي رسول الله صلّى الله عليه وسلم: «نعم ترجمان القرآن أنت»، وأخرج البيهقي في الدلائل عن ابن مسعود رضي الله عنه قال: نعم ترجمان القرآن عبد الله بن عباس، وقد دعا له النبي صلّى الله عليه وسلم بقوله: «اللهم فقهه في الدين وعلمه التأويل».

وروي أن رجلا أتى ابن عمر يسأله عن السموات والأرض كانتا رتقا ففتقناهما: أي من قوله تعالى: أَوَلَمْ يَرَ الَّذِينَ كَفَرُوا أَنَّ السَّماواتِ وَالْأَرْضَ كانَتا رَتْقاً فَفَتَقْناهُما [سورة الأنبياء آية: ٣٠]، فقال: اذهب إلى ابن عباس، ثم تعال أخبرني، فذهب فسأله فقال: كانت السموات رتقا لا تمطر، وكانت الأرض رتقا لا تنبت، ففتق هذه بالمطر، وهذه بالنبات، فرجع إلى ابن عمر فأخبره فقال: قد كنت أقول: ما يعجبني جراءة ابن عباس على تفسير القرآن! فالآن، قد علمت أنه أوتي علما .. اه.

<<  <   >  >>