للناظر في القرآن لطلب التفسير مآخذ كثيرة (يستمد منها تفسيره) أمهاتها أربعة:
الأولى: النقل عن رسول الله صلّى الله عليه وسلم مع التحرز عن الضعيف والموضوع.
الثانية: الأخذ بقول الصحابي، فقد قيل: إنه في حكم المرفوع مطلقا، وخصه بعضهم بأسباب النزول ونحوها مما لا مجال للرأي فيه.
الثالثة: الأخذ بمطلق اللغة مع الاحتراز عن صرف الآيات إلى ما لا يدل عليه الكثير من كلام العرب.
الرابعة: الأخذ بما يقتضيه الكلام وتدل عليه الأصول الشرعية، وهذا النوع الرابع هو الذي دعا به النبي صلّى الله عليه وسلم لابن عباس في قوله: «اللهم فقهه في الدين وعلمه التأويل».
فمن فسر القرآن برأيه- أي باجتهاده- ملتزما الوقوف عند هذه الأصول معتمدا عليها فيما يرى من معاني كتاب الله؛ كان تفسيره سائغا جائزا خليقا بأن يسمى التفسير الجائز أو التفسير المحمود، ومن حاد عن هذه الأصول وفسرا القرآن غير معتمد عليها؛ كان تفسيره ساقطا مرذولا خليقا بأن يسمّى التفسير غير الجائز أو التفسير المذموم.
فالتفسير بالرأي الجائز: يجب أن يلاحظ فيه الاعتماد على ما نقل عن الرسول صلّى الله عليه وسلم وأصحابه مما ينير السبيل للمفسر برأيه، وأن يكون صاحبه عارفا بقوانين اللغة خبيرا بأساليبها، وأن يكون بصيرا بقانون الشريعة حتى ينزل كلام الله على المعروف من تشريعه.
أما الأمور التي يجب البعد عنها في التفسير بالرأي فمن أهمها: التهجم على تبيين مراد الله من كلامه على جهالة بقوانين اللغة أو الشريعة.
ومنها: حمل كلام الله على المذاهب الفاسدة.
ومنها: الخوض فيما استأثر الله بعلمه، ومنها: القطع بأن مراد الله كذا من غير دليل، ومنها: السير مع الهوى والاستحسان.
ويمكن تلخيص هذه الأمور الخمسة في كلمتين هما: الجهالة، والهوى.
وينبغي أن يعلم أن في القرآن علوما ثلاثة:
الأول: علم لم يطلع الله عليه أحدا من خلقه، بل استأثر به وحده؛ كمعرفة حقيقة ذاته وصفاته وغيوبه التي لا يعلمها إلا هو، وهذا النوع لا يجوز الكلام فيه لأحد إجماعا.
الثاني: ما أطلع الله عليه نبيه صلّى الله عليه وسلم واختص به، وهذا لا يجوز الكلام فيه إلا له عليه الصلاة والسلام ولمن أذن له الرسول، قيل: ومنه أوائل السور.
الثالث: العلوم التي علمها الله لنبيه مما أمر بتبليغه، وهذا النوع قسمان: