وقال أبو العباس القرطبي صاحب كتاب «المفهم شرح صحيح مسلم»: «استجاز بعض فقهاء أهل الرأي نسبة الحكم الذي دلّ عليه القياس الجلي إلى رسول الله صلّى الله عليه وسلم نسبة قوليه، فيقولون في ذلك: قال رسول الله صلّى الله عليه وسلم كذا!! ولهذا ترى كتبهم مشحونه بأحاديث تشهد متونها بأنها موضوعة تشبه فتاوى الفقهاء، ولأنهم لا يقيمون لها سندا».
نقله السخاوي في شرح ألفية العراقي «١»، والمتبولي في مقدمة شرحه الجامع الصغير.
ومنهم القصّاص: يضعون الأحاديث في قصصهم قصدا للتكسب والارتزاق، وتقربا للعامة بغرائب الروايات. ولهم في هذا غرائب وعجائب، وصفاقة وجه لا توصف.
كما حكى أبو حاتم البستي: أنه دخل مسجدا، فقام بعد الصلاة شاب فقال:
حدثنا أبو خليفة: حدثنا أبو الوليد عن شعبة عن قتادة عن أنس وذكر حديثا، قال أبو حاتم: فلما فرغ دعوته، قلت: رأيت أبا خليفة؟ قال: لا، قلت: كيف تروي عنه ولم تره؟ فقال: إن المناقشة معنا من قلة المروءة! أنا أحفظ هذا الإسناد، فكلما سمعت حديثا ضممته إلى هذا الإسناد!!.
وأكثر هؤلاء القصاص جهال، تشبهوا بأهل العلم، واندسوا بينهم، فأفسدوا كثيرا من عقول العامة.
ويشبههم بعض علماء السوء، الذين اشتروا الدنيا بالآخرة، وتقربوا إلى الملوك والأمراء والخلفاء، بالفتاوى الكاذبة، والأقوال المخترعة، التي نسبوها إلى الشريعة البريئة، واجترأوا على الكذب على رسول الله صلّى الله عليه وسلم، إرضاء للأهواء الشخصية، ونصرا للأغراض السياسية، فاستحبوا العمى على الهدى، كما فعل غياث بن إبراهيم النخعي الكوفي الكذاب الخبيث، كما وصفه إمام أهل الجرح والتعديل، يحيى بن معين! فإنه دخل على أمير المؤمنين المهدي، وكان المهدي يحب الحمام، ويلعب به، فإذا قدامه حمام، فقيل له: حدّث أمير المؤمنين، قال: حدثنا فلان عن فلان أن النبي صلّى الله عليه وسلم قال:
لا سبق إلا في نصل أو خف أو حافر أو جناح، فأمر له المهدي ببدرة (صرة فيها دنانير)، فلما قام قال: أشهد على قفاك أنه قفا كذاب على رسول الله صلّى الله عليه وسلم! ثم قال المهدي: أنا حملته على ذلك، ثم أمر بذبح الحمام، ورفض ما كان فيه.
وشر أصناف الوضاعين وأعظمهم ضررا: قوم ينسبون أنفسهم إلى الزهد والتصوف، لم يتحرجوا من وضع الأحاديث في الترغيب والترهيب، احتسابا للأجر