للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

وأيضا- فيلزم من القول بالصرفة زوال الإعجاز بزوال زمن التحدي، وخلو القرآن من الإعجاز، وفي ذلك خرق لإجماع الأمة أن معجزة الرسول صلّى الله عليه وسلم العظمى باقية ولا معجزة له باقية سوى القرآن الكريم.

قال القاضي أبو بكر: ومما يبطل القول بالصرفة أنه لو كانت المعارضة ممكنة وإنما منع منها الصرفة لم يكن الكلام معجزا وإنما يكون بالمنع معجزا فلا يتضمن الكلام فضيلة على غيره في نفسه، قال: وليس هذا بأعجب من قول فريق منهم: إن الكل قادرون على الإتيان بمثله، وإنما تأخروا عنه لعدم العلم بوجه ترتيب لو تعلموه لوصلوا إليه به، ولا بأعجب من قول آخرين: إن العجز وقع منهم، وأما من بعدهم ففي قدرته الإتيان بمثله وكل هذا لا يعتد به.

وقال قوم: وجه إعجازه ما فيه من الإخبار عن الغيوب المستقبلة ولم يكن ذلك من شأن العرب.

وقال آخرون: ما تضمنه من الإخبار عن قصص الأولين وسائر المتقدمين حكاية من شاهدها وحضرها.

وقال آخرون: ما تضمنه من الإخبار عن الضمائر من غير أن يظهر ذلك منهم بقول أو فعل كقوله: إِذْ هَمَّتْ طائِفَتانِ مِنْكُمْ أَنْ تَفْشَلا [سورة آل عمران آية: ١٢٢]، وَيَقُولُونَ فِي أَنْفُسِهِمْ لَوْلا يُعَذِّبُنَا اللَّهُ [سورة المجادلة آية: ٨].

وقال القاضي أبو بكر: وجه إعجازه ما فيه من النظم والتأليف والترصيف وأنه خارج عن جميع وجوه النظم المعتاد في كلام العرب ومباين لأساليب خطاباتهم، قال: ولهذا لم يمكنهم معارضته، قال: ولا سبيل إلى معرفة إعجاز القرآن من أصناف البديع التي أودعوها في الشعر؛ لأنه ليس مما يخرق العادة بل يمكن استدراكه بالعلم والتدريب والتصنع به، كقول الشعر، ووصف الخطب، وصناعة الرسالة والحذق في البلاغة، وله طريق تسلك فأما شأو ونظم القرآن فليس له مثال يحتذى، ولا إمام يقتدى به، ولا يصح وقوع مثله اتفاقا، قال: ونحن نعتقد أن الإعجاز في بعض القرآن أظهر وفي بعضه أدق وأغمض.

وقال الإمام فخر الدين: وجه الإعجاز الفصاحة، وغرابة الأسلوب، والسلامة من جميع العيوب.

وقال ابن عطية: الصحيح الذي عليه الجمهور والحذاق في وجه إعجازه، أنه بنظمه وصحة معانيه وتوالي فصاحة ألفاظه، وذلك أن الله أحاط بكل شيء علما، وأحاط

<<  <   >  >>