يسير جدا واستمرت على حالتها إِلَى أَن احترقت فِي فتْنَة تيمورلنك فَكَانَت خاوية على عروشها إِلَى أَن تولي سيف الدّين جقمق نِيَابَة دمشق سنة اثْنَتَيْنِ وَعشْرين وَثَمَانمِائَة وَكَانَت دمشق فِي غَايَة من الخراب الَّذِي لحقها من حروب تيمورلنك فتوجهت همته لأعمارها بِنَفسِهِ وبإلزام النَّاس بذلك وبنقله من سكن خَارِجهَا إِلَى داخلها وَشرع فِي عمَارَة الطيورين والفسقار وَعمر التربة الَّتِي بِبَاب الناطفانيين وَهُوَ بَاب الْجَامِع الشمالي وَهِي تربة الجقمقية ورتبها حَتَّى صَارَت فِي غَايَة الْحسن والزخرفة وَقيل انه لم يكن فِي دمشق وَلَا فِي مصر نَظِير لَهَا ووسعها من جِهَة الْقبْلَة وَجعل لَهَا شبابيك إِلَى الكلاسة وشبابيك إِلَى الْجِهَة الشمالية وَبنى فِي مقابلها خانقاه إِلَى الصُّوفِيَّة ورتب بهَا شَيخا وصوفية ورتب بالتربة الْمَذْكُورَة ميعادا بعد صَلَاة الْجُمُعَة وَجعل فِي قبلتها مكتبا للأيتام وَقد كَانَ مَوْجُودا قبل الْفِتْنَة التيمورية وَلكنه أَحْيَاهُ ووقف السُّوق الَّذِي عمره دَاخل بَاب الْجَابِيَة والطاحون الَّتِي أَنْشَأَهَا بالوادي والخان شمَالي الْمصلى وَجعل بَعْضًا من ريع ذَلِك على نَفسه وَأَوْلَاده وبعضا على التربة وبعضا على أَنْوَاع الْبر
قَالَ ألاسدي هَذِه التربة كَانَ المؤسس لَهَا سنجر ثمَّ بناها جقمق وَفرغ من بنائها سنة أَربع وَعشْرين وَثَمَانمِائَة فَجَاءَت فِي غَايَة الْحسن وَحضر ميعادها الشَّيْخ شرف الدّين بن مُفْلِح وَلَكِن ظلمَة الظُّلم لائحة عَلَيْهَا
وَقَالَ أَيْضا بَلغنِي أَن الْأَمِير ماماش استقطع وقف جقمق وَأخذ من التربة الْبسط والقناديل وَمنع الصُّوفِيَّة والقراء من الْحُضُور فِيهَا وَقيل انه احضر كتاب وَقفهَا فأتلفه انْتهى
وَذكر غَيره أَن جقمق أبدى الْعِصْيَان سنة أَربع وَعشْرين وحاصر بقلعة صرخد وَلما سئم من الْحصار طلب الامان من السُّلْطَان وَنزل من القلعة فَقبل الأَرْض بَين يَدي الْملك المظفر فرسم عَلَيْهِ بقاعة القلعة وَطلب مِنْهُ المَال الَّذِي أَخذه وَفِي الْيَوْم الثَّانِي قيل انه عُوقِبَ وَقرر على المَال وَفِي الْيَوْم الثَّالِث أرسل مَعَ الخيالة مُقَيّدا ثمَّ حبس ثمَّ قتل بعد أَن عُوقِبَ وَقرر على مَا لَهُ من الودائع والذخائر وَبَقِي ملقى فِي قلعة دمشق ثمَّ دفن فِي تربته وَلَقي مَا قَدمته يَدَاهُ وَكَانَ ذكيا عَارِفًا بِالنَّاسِ وتراجمهم وَمهر فِي الظُّلم قَالَ ابْن حجر وَكَانَ ظلوما غشوما متطلعا على عورات النَّاس انْتهى