وَقد علم مِمَّا تقدم أَن الَّذِي بناها سنجر ثمَّ نسبت إِلَى جقمق لِأَنَّهُ هُوَ الَّذِي بناها بعد أَن احترقت وَقد درس بهَا كثير من الأفاضل كالعز ابْن شيخ السلامية والعماد ابْن السَّيِّد عدنان وَغَيرهمَا ثمَّ تقلبت بهَا الْأَيَّام كَغَيْرِهَا من الْمدَارِس إِلَى أَن صَارَت كلهَا مكتبا فِي أَوَاخِر الْقرن الثَّالِث عشر وَأَنا لنحمد أَيدي الْحدثَان الَّتِي أبقت بناءها وَلم تخف آثارها كَمَا فعلت بغَيْرهَا
تَرْجَمَة واقفها
تقدم أَن الَّذِي أَنْشَأَهَا أَولا إِنَّمَا هُوَ سنجر وَولده شمس الدّين وَالْملك النَّاصِر حسن ثمَّ جددها ورممها النَّائِب جقمق فنسبت إِلَيْهِ وَقد علمت تَرْجَمَة كل مِنْهُم أَن لم يكن تَفْصِيلًا وبسطها فِي الْقسم السياسي
وَقد رَأَيْت صَاحب الضَّوْء اللامع ترْجم جقمق بترجمة مختصرة فَقَالَ جقمق سيف الدّين من أَبنَاء التركمان أَخذه بعض التُّجَّار صَغِيرا وَاتفقَ مَعَ رَفِيق لَهُ على أَن يبيعاه ويقتسما ثمنه بَينهمَا فباعاه وَكَانَ إِذا تكلم بِالْعَرَبِيَّةِ لَا يشك سامعه فِي انه من أَبنَاء الْعَرَب ثمَّ تنقل فِي خدم الْمُؤَيد حَتَّى صَار دوادارا وَذَلِكَ قبل تملك الْمُؤَيد وَلما تملك اقره على منصبه ثمَّ جعله نَائِبا لدمشق سنة اثْنَتَيْنِ وَعشْرين وَثَمَانمِائَة وَلما مَاتَ الْمُؤَيد اظهر الْعِصْيَان وَآل أمره إِلَى أَن امسكه ططر وعصره وَأخذ مِنْهُ مَالا ثمَّ أَمر بقتْله فَقتل صبرا سنة أَربع وَعشْرين وَدفن بمدرسته الَّتِي هِيَ بِالْقربِ من شمَالي الْجَامِع الْأَعْظَم بِحَضْرَة الخانقاه السميساطية وَكَانَ شَدِيدا فِي دواداريته على النَّاس ذكره ابْن خطيب الناصرية والحافظ ابْن حجر انْتهى
وَمن تَأمل أَفعَال الْأُمَرَاء فِي قُرُون الْخَمْسمِائَةِ وَمَا بعْدهَا رأى الاستبداد ضَارِبًا أطنابه وَالظُّلم وَالْبَغي ناشرا أجنحته مرفرفا على النَّوْع الإنساني بالجور وَقلة الْإِنْصَاف فان الْملك إِذْ ذَاك يُرْخِي الْعَنَان لنوابه ومأموريه فيتفننون بفنون الظُّلم وسلب أَمْوَال الرّعية وَلَا يسْأَله عَن أَعماله وَلَا يفاتحه بهَا حَتَّى إِذا رأى خزائنه امْتَلَأت وثروته امْتَدَّ رواقها تنَاوله بمخالبه وأنشب فِيهِ أَظْفَاره فيميته ميتَة وحشية ويستولي على مَا بِيَدِهِ من الْأَمْوَال وَالْعَقار كَأَن لِسَان حَاله يَقُول أَنا أرسل النَّائِب ليجمع الْأَمْوَال شَيْئا فَشَيْئًا على مهل ثمَّ أبتزها مِنْهُ على عجل وَلَا أُبَالِي بِإِتْلَاف