الْمدرسَة الجقمقية
هِيَ مدرسة مَعْرُوفَة الْآن ومشهورة وَهِي شَرْقي الحديقة الَّتِي بهَا قبَّة صَلَاح الدّين الأيوبي وَعَن يَمِين الدَّاخِل إِلَى الْجَامِع الْأمَوِي من بَابه الشمالي فِي أول الطَّرِيق وَهِي مَبْنِيَّة بِالْحجرِ الأبلق والأبيض والداخل إِلَيْهَا من الْبَاب الأول يجد عَن يسَاره بَابا ثَانِيًا فَيدْخل مِنْهُ إِلَى ساحتها فَيرى هُنَاكَ أَربع أيونات تعلوهما قبَّة شاهقة ومسقوفة فَلَا تدْخلهَا الشَّمْس وَمن نَحْو خمسين سنة والى الْآن وَهِي مكتب لتعليم الشبَّان والأطفال وَحكى فِي تَنْبِيه الطَّالِب أَنه كَانَ بهَا تربة قلت وَقد اندرست وعفت آثارها وَحكى أَيْضا أَنه كَانَ تجاهها من الشمَال يَعْنِي اتجاه بَابهَا خانقاه يفصل بَينهمَا الطَّرِيق الْآخِذ إِلَى المدرستين العادلية والظاهرية من جِهَة الغرب والآخذ إِلَى الْجَامِع الْأمَوِي من شرقها اهـ قلت وَقد درست تِلْكَ الخانقاه وعفت آثارها واتخذها المختلسون لَهَا دورا للسُّكْنَى فأنشأت تخاطب غاصبها وتلومه بقول ابْن الوردي
(إِن أهنى عيشة قضيتها ... ذهبت لذاتها وَالْإِثْم حل)
فيجيبها بقوله
(دَعْنِي بلذاتي أكن طوع الْهوى ... لَا أُبَالِي بعد موتِي أَيْن كنت)
وَكَانَ من قصَّة هَذِه الْمدرسَة أَن الْمعلم سنجر الْهِلَالِي وأبنه شمس الدّين الصَّائِغ قد أسسا التربة أَولا ثمَّ تقلبت بهما الْأَحْوَال إِلَى أَن غضب عَلَيْهِمَا الْملك النَّاصِر حسن سنة إِحْدَى وَسِتِّينَ وَسَبْعمائة فعاقب سنجر وَأخذ مِنْهُ مَا يزِيد عَن ألف ألف دِرْهَم وَهُوَ فِي اصْطِلَاح زمننا مليون من الدَّرَاهِم بِدَعْوَى أنهنمي إِلَيْهِ من أَنه لَا يُؤَدِّي زَكَاة مَاله وَأَنه يُطلق لِسَانه فِي ثلب الامراء وذمهم ثمَّ أَنه أحَاط بِمَا لَهُ من الْحجَج والأملاك والحواصل فَكَانَت تزيد عَن ثَلَاثَة آلَاف ألف دِرْهَم أَي ثَلَاثَة ملايين وَلكنه سلم إِلَيْهِ ذَلِك بعد مُدَّة فَانْظُر إِلَى هَذَا الظُّلم وَالْبَغي الَّذِي كَانَ فِي تِلْكَ الْأَيَّام وعاقب ابْنه مُحَمَّدًا أَيْضا فَأخذ تربته الَّتِي أَنْشَأَهَا بِبَاب الْجَامِع ثمَّ أَمر السُّلْطَان بعمارتها فَلم يُغيرُوا أساساتها بل بنوا فَوْقهَا وَجعلُوا لَهَا شبابيك من شرقيها وبنوا حائطها بِالْحِجَارَةِ الْبيض والسود فَجَاءَت فِي غَايَة الْحسن فالباني لَهما إِنَّمَا هُوَ السُّلْطَان النَّاصِر حسن وَكَانَ قد رسم بِأَن يَجْعَل بهَا مكتبا للأيتام فشرع فِي بنائِهِ لكنه قتل سنة اثْنَتَيْنِ وَسِتِّينَ وَسَبْعمائة قبل أَن يتم ثمَّ صَارَت بعد مَوته خانقاه للصوفية وَلها وقف
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute