(أرى قوما حفظت لَهُم عهودا ... فخانوني وَلم يرعوا حفاظا)
(لَهُم عِنْدِي مُحَافظَة فألفى ... لَهُم خلقا وأفئدة غلاظا)
وَقَالَ ابْن خلكان فِي تَارِيخه كَانَ الْملك المظفر شجاعا مقداما منصورا فِي الحروب مؤيدا فِي الوقائع ومواقعه مَشْهُورَة مَعَ الفرنجة وَكَانَت لَهُ آثَار فِي المصافات دلّت عَلَيْهَا التواريخ وَله فِي أَبْوَاب الْبر كل حَسَنَة مِنْهَا مدرسة منَازِل الْعِزّ الَّتِي بِمصْر وَيُقَال أَنَّهَا كَانَت دَار سكنه فَوقف عَلَيْهَا وَقفا كثيرا وَجعلهَا مدرسة وَكَانَت الفيوم وبلادها اقطاعا لَهُ وَله بِهِ مدرستان شافعية وحنفية عَلَيْهِمَا وقف جيد أَيْضا وَبنى بِمَدِينَة الرها مدرسة لما كَانَ صَاحب الْبِلَاد الشرقية وَكَانَ كثير الْإِحْسَان إِلَى الْعلمَاء والفقراء وأرباب الْخَيْر وناب عَن عَمه صَلَاح الدّين فِي الديار المصرية فِي بعض غيباته عَنْهَا فان الْملك الْعَادِل كَانَ نَائِبا عَن أَخِيه صَلَاح الدّين فِي مصر فَلَمَّا حاصر الكرك سنة تسع وَسبعين وَخَمْسمِائة فِي رَجَب طلب أَخَاهُ من مصر بالعساكر وسير إِلَيْهَا تَقِيّ الدّين تَقِيّ الدّين نَائِبا عَنهُ ثمَّ استدعاه إِلَيْهِ بِالشَّام وَولى الديار المصرية لوَلَده الْملك الْعَزِيز عُثْمَان وَمَعَهُ الْملك الْعَادِل فشق ذَلِك على تَقِيّ الدّين وعزم على دُخُول بِلَاد الْمغرب ليفتحها فقبح عَلَيْهِ أَصْحَابه ذَلِك فامتثل قَول عَمه صَلَاح الدّين وَسَار إِلَى خدمته فَخرج السُّلْطَان فالتقاه بمرج الصفر واجتمعا هُنَالك فِي شعْبَان سنة اثْنَتَيْنِ وَثَمَانِينَ وَخَمْسمِائة وَفَرح بِهِ وَأَعْطَاهُ حماه فَتوجه إِلَيْهَا ثمَّ توجه إِلَى قلعة منازكرد من نواحي خلاط ليأخذها فحاصرها مُدَّة ثمَّ توفّي عَنْهَا تَاسِع عشر شهر رَمَضَان من سنة سبع وَثَمَانِينَ وَخَمْسمِائة وَقيل توفّي مَا بَين خلاط وميافارقين وَنقل إِلَى حماة فَدفن بهَا
وَقَالَ فِي الروضتين فِي حوادث السّنة الْمَذْكُورَة كَانَ تَقِيّ الدّين عمر ابْن أخي السُّلْطَان قد امتدت عينه إِلَى بِلَاد غَيره فاستولى على السويداء وعَلى مَدِينَة حاني وتملك مُعظم الْبِلَاد ثمَّ قصد خلاط فاناخ على منازكرد يحاصرها وَمَعَهُ عَسَاكِر كَثِيرَة فأناخت بجسده الْمنية بِسَبَب مرض اعتراه وَزَاد إِلَى أَن بلغ مِنْهُ المُرَاد وَقَالَ عِنْد الْكَلَام على كسرة الرملة نقلا عَن الْعِمَاد الْكَاتِب فانه قَالَ وَحَيْثُ كَانَت للْملك المظفر تَقِيّ الدّين فِي هَذِه الْغَزْوَة الْيَد الْبَيْضَاء أنشدته قصيدة مِنْهَا
(سقى الله الْعرَاق وساكنيه ... وحياه حَيا الْغَيْث الهتون)
(وجيرانا أمنت الْجور مِنْهُم ... وَمَا فيهم سوى واف أَمِين)
(صفوا والدهر ذُو كدر وقدما ... وفوا بالعهد بالزمن الخؤون)
(بَنو أَيُّوب زانوا الْملك مِنْهُم ... بحلية سؤدد وتقى وَدين)
(أَسَانِيد مُلُوك اصبحوا خير البرايا ... لخير رعية فِي خير دين)
(أَسَانِيد السِّيَادَة عَن علاهم ... معنعنة مصححة الْمُتُون)
(بَنو أَيُّوب مثل قُرَيْش مجدا ... وَأَنت لَهَا كأنزعها البطين)
(اخفت الشّرك حَتَّى الذعر مِنْهُم ... يرى قبل الْولادَة فِي الْجَنِين)
(وَيَوْم الرملة المرهوب بَأْسا ... تركت الشّرك منزعج القطين)
(وَكنت لعسكر الْإِسْلَام كهفا ... أَوَى مِنْهُ إِلَى حصن حُصَيْن)
(وَقد عرف الفونج سطاك لما ... رَأَوْا آثارها عين الْيَقِين)
(وَأَنت ثَبت دون الدّين تَحْمِي ... حماه أَوَان ولى كل دين)
أَقُول وَلَا يستبعد قَول الْعِمَاد اخفت الشّرك الْبَيْت لَان الْوَلَد لَهُ حَظّ من أَخْلَاق وَالِده فان كَانَ حِين الوقاع خَائفًا أَو مَسْرُورا أَو غير ذَلِك أثرت حَالَته فِي النُّطْفَة وسرى ذَلِك التَّأْثِير إِلَى الْوَلَد كَمَا يُعلمهُ من حقق ذَلِك الْأَمر ودقق فِيهِ فرحم الله أَرْوَاح أُولَئِكَ الأفاضل الَّذين باعوا نُفُوسهم فِي الْجِهَاد وأنفقوا أَمْوَالهم فِي سَبِيل الْعلم وَأَهله ثمَّ خلف من بعدهمْ خلف نقضوا آثَارهم وغيروها وقلبوا أوضاعها وأكلوا أوقافها وأماتوا الْعلم فأضاعوا الصَّلَوَات وَاتبعُوا الشَّهَوَات فَسَوف يلقون غيا
الْمدرسَة الجاروخية
اخبر عَنْهَا النعيمي وَغَيره بِأَنَّهَا كَانَت دَاخل بَابي الْفرج والفراديس لصيقة الاقبالية الْحَنَفِيَّة شمَالي الْجَامِع الْأمَوِي والظاهرية الجوانية أَنْشَأَهَا سيف الدّين جاروخ التركماني للعلامة أبي الْقَاسِم مَحْمُود بن الْمُبَارك بن عَليّ بن الْمُبَارك الْمَعْرُوف بالمجير الوَاسِطِيّ الْبَغْدَادِيّ فدرس بهَا مُدَّة ثمَّ درس بهَا بعده جماعات من الأفاضل وَالَّذِي يفهم من تراجم مدرسيها أَنَّهَا اقدم من الْمدرسَة الباذرائية لَان نجم الدّين الباذرائي من جملَة من درس بهَا وَبقيت منهلا لطلاب الْعلم إِلَى أَن سطت عَلَيْهَا أَيدي المختلسين فَجعلت دورا للسُّكْنَى وَلم يبْق لَهَا رسم وَلَا طلل سوى حِجَارَة يسيرَة فِي أساس جدارها