قَالَ الذَّهَبِيّ بنى لَهُ الْملك الاشرف دَار الحَدِيث بالسفح وَجعله شيخها وَقرر لَهُ مَعْلُوما فَمَاتَ قبل فراغها وَأول من درس بهَا القَاضِي شمس الدّين مُحَمَّد ابْن أبي عمر ثمَّ مُحَمَّد بن عبد الْوَاحِد ثمَّ شرف الدّين عبد الله الْمَقْدِسِي ثمَّ سُلَيْمَان بن حَمْزَة ثمَّ ابْنه عز الدّين مُحَمَّد فولده بدر الدّين ثمَّ صَار كل من يتَوَلَّى قَضَاء الْحَنَابِلَة يتولاها وان لم يكن أَهلا للتدريس بهَا كَمَا اسْتَقَرَّتْ عَلَيْهِ عَادَة الْمدَارِس فِي عدم الْأَهْلِيَّة إِلَى يَوْمنَا هَذَا وَكَانَ للمدرسة وَظِيفَة إِعَادَة
وَقَول وقفت على هَذِه الْمدرسَة أثْنَاء تأليفي لهَذَا السّفر وَقْفَة باهت متحير مِمَّا أنزلهَا من اوجها بعد عزها فرأيتها عَن يَمِين الطَّرِيق الْعُظْمَى الَّتِي تمر إِمَام الأتاربكية وَتذهب إِلَى جِهَة الغرب الشمالي إِلَى الْمحلة الَّتِي أنشئت حَدِيثا وَسميت بحارة الْمُهَاجِرين وَرَأَيْت جدارها الشمالي قَائِما لم يُغَيِّرهُ طول الزَّمَان وَلَا كرّ الْحدثَان وَهُوَ مَبْنِيّ بِالْحِجَارَةِ الصفر ومحلتها الْآن يُقَال لَهَا حارة عرودك وبجانبها الشَّرْقِي الجنوبي بَاب يُصَار مِنْهُ إِلَى قبَّة مَبْنِيَّة بِبِنَاء متين لكنما أَعْلَاهَا قد تهدم وَبهَا بَاب يدْخل مِنْهُ إِلَى الْمدرسَة وَقد اتخذها الْآن النَّاس الَّذين هُنَاكَ مخزنا لقش الْحصْر وَأما الْمدرسَة فَإِنَّهَا اختلست وَصَارَت دورا للسُّكْنَى وجنائن لزرع الزهور والرياحين وأمامها ساحة فسيحة وَهِي متنزه عَجِيب أبدع من أُخْتهَا الْمُتَقَدّمَة وأتقن بِنَاء وَأتم هندسة غير أَن الْحَظ ساعد أُخْتهَا فَبعث الله لَهَا من أَحْيَاهَا بعد اندراسها وَهَذِه تبْكي على أَيَّامهَا وتستغيث فَلَا تَجِد مغيثا وتستنصر فَلَا تَجِد ناصرا فسبحان الدَّائِم وَفَوق بَابهَا حجر محفور فِيهِ مَا صورته بعد الْبَسْمَلَة
أوقف هَذِه الْمدرسَة الْمُبَارَكَة ابْتِغَاء لوجه الله تَعَالَى الْمولى السُّلْطَان الْعَالم الْعَادِل المظفر الْمُؤَيد الْمَنْصُور الْملك الاشرف مظفر الدّين أَبُو الْفَتْح مُوسَى ابْن الْمولى السُّلْطَان الْملك الْعَادِل سيف الدّين أبي بكر بن أَيُّوب تقبل الله مِنْهُ وأثابه الْجنَّة على الْحَنَابِلَة الْمُحدثين وأوقف عَلَيْهَا نصف دير أرغى بالبقاع الْعَزِيز وريعها ومزارعها فِي سنة أَربع وَثَلَاثِينَ وسِتمِائَة
وَنَصّ هَذَا الْوَقْف هُنَا لَا يُنَافِي مَا تقدم لِأَن هَذَا كَانَ عِنْد الْبناء وَالزَّائِد عَلَيْهِ كَانَ بعده وَلَو استطعنا وصفهَا بالمعاينة لظفرنا بإيضاحات اكثر من هَذِه وَلَكِن تغير