أرهقت أم نوفل إذ دعتها ... مهجتي ما لقاتلي من متاب
حين قالت لها أجيبي فقالت ... من دعاني قالت أبو الخطاب
فاستجابت عند الدعاء كما ... لبى رجال يرجون حسن الثواب
وكانت أم نوفل دعتها لابن أبي عتيق ولو دعتها لعمر ما أجابت:
وأتى عمر الثريا يوما ومعه صديق له كان يصاحبه ويتوصل بذكره في الشعر، فلما كشفت الثريا الستر وأرادت الخروج إليه رأت صاحبه فرجعت فقال لها: إنه ليس ممن أحتشمه ولا أخفي عنه شيئا واستلقى فضحك، وكان النساء إذا ذاك يتختمن في أصابعهن العشرة، فخرجت إليه فضربته بظاهر كفها فأصابت الخواتم ثنيتيه العليين وكادت أن تقلعهما، فعالجهما، فشفيتا واسودتا، وكان يفتخر بهما ويعده أثرا عزيزا عنده، وواعدت الثريا عمر أن تزوره فجاءت في الوقت الذي ذكرته فصادفت أخاه الحارث قد طرقه، وأقام عنده ووجه به في حاجة له ونام مكانه وغطى وجهه بثوب فلم يشعر إلا بالثريا قد ألقت نفسها عليه تقبله فانتبه وجعل يقول: اغربي عني فلست بالفاسق، أخزاكما الله. فلما علمت بالقصة انصرفت ورجع عمر فأخبره الحارث بخبرها فاغتم لما فاته منها وقال: أما والله لا تمسك النار أبدا وقد ألقت نفسها عليك. فقال الحارث: عليك وعليها لعنة الله.
وتزوجها سهيل بن عبد العزيز بن مروان، وكان عمر بن أبي ربيعة أخرجه مسعدة بن عمر والي اليمن في أمر عرض له وتزوجت الثريا وهو غائب، فلما رجع وجدها نقلت في ذلك اليوم إلى الشام فأتى المنزل الذي كانت فيه وسأل عنها فأخبر أنها رحلت من يومئذ فخرج في أثرها فلحقها في مرحلتين وكانت قبل ذلك مهاجرته لأمر أنكرته عليه، فلما أدركهم نزل عن فرسه ودفعه إلى غلامه ومشى متنكرا حتى مر بالخيمة، فعرفته الثريا وأثبتت حركته ومشيته فقالت لحاضنتها: كلميه، فسلمت عليه وسألته عن حاله وعاتبته على ما بلغ الثريا عنه فاعتذر وبكى فبكت الثريا وقالت: ليس هذا وقت العتاب مع وشك الرحيل فحادثها إلى طلوع الفجر، ثم ودعها وبكيا طويلا، وقام فركب فرسه ووقف ينظر إليهم وهم يرحلون ثم أتبعهم بصره حتى غابوا وانشأ يقول:
يا صاحبي قفا نستخبر الطللا ... عن حال من حله بالأمس ما فعلا
فقال بالأمس لما أن وقفت به ... إن الخليط أجدوا البين فاحتملا
وخادعتك النوى لما رايتهم ... فيا لفجر يحتث حادي عيسهم رحلا
لما وقفنا نحييهم وقد صرخت ... هواتف البين واستولت بهم أصلا
صدت بعادا وقالت للتي معها ... بالله لوميه في بعض الذي فعلا
وحدثيه بما حدثت واستمعي ... ماذا يقول ولا تعي به جدلا
حتى ترى أن ما قال الوشاه له ... فينا لديه إلينا كله نقلا
وعرفيه به كالهزل واحتفظي ... في بعض معتبة أن تخطئ الرجلا
فإن عهدي به والله يحفظه ... وإن أتى الذنب ممن يكره العذلا
لو عندنا اعتيب أو نيلت نقيصته ... ما آب معتابه من عندنا جذلا
قلت اسمعي فلقد أبلغت في لطف ... وليس يخفى على ذي اللب من هزلا
هذا أرادت به بخلا لأعذرها ... وقد أرى أنها لن تعدم العللا
ما سمي القلب إلا من تقلبه ... ولا الفؤاد فؤادا غير أن عقلا