بحسن قوامها وجمال محياها شأن كثيرات من النساء وكانت صديقتها الحميمة في الصغر إحدى النبات الحبشيات اللون. ويقال: إنها ابنة الكونت "تشاوي" والد "جوزفين" قبل اقترانه الشرعي وهي أكبر منها بسنتين ولم تفارقها لفرط محبتها لها وتعلقها بها.
وبينما هما ذاهبتان للنزهة ذات يوم وجدتا عددا من العبيد حول امرأة سوداء طاعنة في لاسن تزعم أنها من أهل الكرامات الذين ينبئون بالغيب فوقفت "جوزفين" مع البنات، ودنت إلى المرأة وسألتها أن تنبئها بمستقبل أمرها، فقبضت المرأة على يدها وهزتها فقالت "جوزفين": أظنك اطلعت على شيء من مستقبلي. فقالت المرأة لها: نعم، قالت "جوزفين" مبتسمة: هل تصيبني السعادة أم التعاسة؟ فأجابتها المرأة: التعاسة، ثم سكتت وقالت: ثم تتلوها السعادة. فقالت "جوزفين": أظنك غلطت فانظري ثانية فرفعت المرأة نظرها إلى السماء وعلامات الكدر تلوح علة وجهها وقالت: لا يسوغ لي أن أقول أكثر من ذلك، فسألتها "جوزفين" بإلحاح أن تنبئها بمستقبلها فأجابتها المرأة: أخاف أن لا تصدقيني فألحت عليها، فقالت: إنك تتزوجين عن قريب ثم لا يمضي إلا القليل حتى يموت زوجك ولكنك ستصيرين ملكة فرنسا عدة سنين، ثم تموتين في مستشفى وسط اضطرابات أهلية.
وفي تلك الأثناء هاجر إلى تلك الجزيرة عائلة إنكليزية وسكنت بالقرب من بيت عمة "جوزفين". وبين أفراد هذه العائلة شاب اسمه "وليم" يقارب عمره عمر "جوزفين" فأحب كل منهما الآخر حتى صار أهلهما يلمحون إلى ذلك وطنوا أنهما سيتزوجان عند بلوغهما سن الرشد إلا أن الفتى عاد إلى بلاده مع عائلته لأسباب قضت بذلك فشق لعيه فراق "جوزفين" وشعر أن حياته منغصة فتعاهد معها على المحبة والثبات على المودة إلى حين اللقاء.
وكان عمر "جوزفين" وقتئذ أربع شعرة سنة وهي في معظم البهاء والجمال أسيلة الخد معتدلة القد واتفق في ذلك الحين أن رجلا فرنسويا يلقب ب "الكونت فيس إسكندربواهرني" زار عم "جوزفين" لأشغال له وهذا الرجل مولود في جزيرة "دومينيكو" وقد نال الوسامات وألقاب الشرف على شجاعته في الحرب التي نشبت بني المستعمرات والممالك الأصلية، وهو من المشهورين بالبسالة والنخوة ومساعدة المستعمرات فصيح اللسان ثابت الجنان، أنيس المعشر، لطيف المحضر وقد حضر وقتئذ إلى الجزيرة لإثبات حق له على أملاك من جملتها قسم في حوزة عم "جوزفين" واضطر على البقاء عدة أيام في بيت عم "جوزفين" لإنجاز أشغاله، وهناك علق قلبه ب "جوزفين" وسحرت عقله بلطفها وكمالها حتى لم يعد يستطيع فراقها، ولما رأت عمتها وزوجها ميل هذا الشاب إليها ورغبته فيها وهما يعلمان عظم منزلته وغناه سرا من ذلك وصارا يمسكان عنها كل الرسائل الواردة عليها من خطيبها الأول والمرسلة منها إليه مدة سنة من الزمان.
أما "جوزفين" فحارت في عدم وصول رسائل خطيبها، ولم تنثن عن محبته وولائه مع ما أظهره لها الكونت "بواهرني" من شديد المحبة، وكانت تنظر إليه كضيف كريم في بيت عمتها.
وفي بعض الأيام كلمها عمها في أمر زواجها ب "بواهرني"، ولما كانت تعلم أنه لا قبل لها برفض ذلك وليس لها إلا إبداء رأيها في الأمر حسب عادة تلك الأيام قالت: وكيف ذلك وقد وعدت "وليم" بأن تزوجه بي؟ فأجابها بأن "وليم" نسيك و"بواهرني" أفضل منه، ثم ذكر لها بعض مناقبه، فاضطرت إلى الصمت والتسليم.
وبعد أيام رجع "بواهرني" إلى "رايس" ثم بعد أشهر قليلة عزمت "جوزفين" أيضا على الذهاب إلى فرنسا، وكانت