في تلك المدة تفتكر ب "وليم" وتؤمل أن تسمع عنه شيئا، ولكنها قطعت آمالها منه قبل وصولها إلى باريس ولما وصلت إلى باريس وجدت "بواهرني" في انتظارها مع بعض رفقائه ومعارفها فذهبت برفقتهم وعلمت وقتئذ أن "وليم" وأباه في ذلك المكان ثم أتيا بعد وصولها بقليل لزيارتها. وفي اليوم التالي أتى "وليم" وحده لزيارتها فرفضت مقابلته فأرسل إليها رسالة يلومها على عدم محافظتها على العهد ويذكر لها الرسائل العديدة التي أرسلها إلهيا وعدم إجابتها عن شيء منها ويطلب الإفادة عن كل ذلك، فلما قرأت الرسالة ساءها ذلك كثيرا وتأكدت أنه لا يزال يحبها كما كان، وأن عمتها وزوجها خدعاها ليزوجاها ب "بواهرني"، وقد أخذ منها الغيظ كل مأخذ فطلبت إلى أصحابها أن يسمحوا لها بالذهاب إلى دير تقضي فيه مدة من الزمن فأجابوا طلبها، وتوجهت إلى دير قضت فيه بضعة أشهر بالحزن والقلق.
وكان "وليم" في تلك المدة يترقب الفرص ليراها ولو مرة فلم ينل مرامه فيئس منها وقطع الرجاء من الاقتران بها، فتزوج بفتاة غنية قضى وإياها حياة تعيسة.
أما "بواهراني" فقصدها إلى الدير وسمح له أن يكلمها من نوافذ غرفتها، ولما رأت انه لا سبيل لها إلا الاقتران به حسب رغبة عمتها وزوجها وأن "وليم" تزوج بغيرها طلبت الرجوع من الدير، واقترنت بالقسيس كونت "إسكندر بواهرني" المذكور ولها من العمر ست عشرة سنة، وكانت الهيئة التي تجتمع بها عبد زواجها مؤلفة من أعلى طبقة من الأمراء والأشراف وكانت ترضي جميع الناظرين إليها برقة حديثها وجودة أخلاقها.
أما زوجها فكان معجبا بجحمالها وقد عرفها بالبلاط الملكي وبالملكة "ماري أنتوانت" هناك في قصر "فرسالية". وقضت "ماري أنتوانت" و"جوزفين الأولى" ابنة "ماريا تريزا" إمبراطورة النمسا من سلالة قياصرة "أستوريا" وقد أتت من وسط البلاط النمسوي لتكون ملكة فرنسا وزينة البلاط الفرنسوي، والثانية "جوزفين" ابنة رجل مزارع مولودة في جزيرة بعيدة عن العالم وقد ربيت بين الزنوج ومن كان يظن أو يخظر له ببال أن "ماري انتونت" تنحط على أسفل دركات الذل وتقتل بالسيف و"جوزفين" تستوي على عرش لم يجلس عليه القياصرة في أيامهم.
وفي تلك الأيام بدأت الثورة وعم الكفر والإلحاد بلاد فرنسا، واستخفوا بالديانة المسيحية، فكثر الفساد وزاد البلاء، ولم يعد للزواج الشرعي أقل احترام بل شاع الطلاق إلى درجة مستهجنة، ولما رأت "جوزفين" أن زوجها "بواهرني" لا يعتقد بالدين ولا يراعي حرمة الآداب، وقد تلطخ بالمفاسد على أنواعها بخلاف ما كانت تعتقده فيه، كبر علهيا الأمر وأظهرت له مكدرها بلطيف العبارة خوفا من غيظه منها.
وفي سنة ١٧٨٠م ولدت ابنة وسمتها "هورتنس" فحببت ولادتها "جوزفين" إلى زوجها، ولما كان "بواهرني" على ما تدم نمن الأوصاف لا يعرف من الإنصاف والطهارة إلا اسمهما كان يلوم "جوزفين" لإنكارها عليه سوء تصرفه حاسبا إنه ليس لها حق في الكلام معه في هذا الشأن ما دام يعاملها باللطف والمعروف، ومن ثم لم تعد "جوزفين" ترى يوما سعيدا وزادت تعاستها يوما بعد يوم ولم تجد لها سلوا سوى ابنتها الصغيرة.
وفي سنة ١٧٨٣م ولدت ابنا وسمته "أيوجين" فصار لها ولدان تعزت بهما عن جفاء والدهما الذي لم يزل عاكفا على المنكرات، ومما زاد "جوزفين" غيظا فساد المرأة التي يميل إلهيا "بواهرني" فإنها جاءت مرة إلى "جوزفين" وهي غير عالمة أنها عشيقته وأرتها أنه لا يستحق محبتها، ثم ذكرتها بمحبة "وليم" لها، وما زالت تكلمها بمثل ذلك حتى