للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

اضطرتها لكتابة رسالة إلى عمها وعمتها ذكرت فيها أنها لولا الأولاد لتركت فرنسا إلى الأبد، وأن واجباتها تقضي عليها بأن تسلو "وليم"، ولكنهما لما زوجاها به لم تكن تعيسة كما هي الآن إلى عير ذلك من مثل هذا الكلام، فاختلست تلك المحتالة الكتاب وارتدت ل "بواهرني" مبرهنة له أن بين "وليم" و"جوزفين" مثل ما بينه وبينها فكره "جوزفين" من أجل ذلك كرها عظيما، وحاولت أن تبرئ نفسها مما اتهمها به ظلما وعدوانا فلم يصغ إليها بل طرها وأخذ ابنها منها، وطلب من المجلس طلاقها فأخذت ابنتها وذهبت إلى دير هناك لتقضي مدة من الزمان ريثما تنتهي محاكمتها ويا لها من مدة قضتها بالعزلة، ومرارة العيش والقلق الذي ما عليه من مزيد على أن المجلس برأها من كل ما اتهمت به بعد محاكمة طالت سنة من الزمان وحكم عليه "بواهرني" أن يقوم بنفقتها ونفقة ابنتها وأن تنفصل عنه انفصالا.

وحدث في ذلك الوقت أنها تلقت رسالة من عمها وعمتها من "مرتينيكو" يسألانها فيها الذهاب إليهما فأخذت ابنتها معها وتوجهت إلى هناك فقابلاها بالمحبة والإعزاز، وقضت ثلاث سنين في "مرتينيكو" مغمومة حزينة لا سلوى لها سوى المطالعة وتعليم ابنتها، والتصديق على من حولها، وكان يغلب عليها الافتكار بولدها وما جرى لها مع زوجها فتذهب إلى الأماكن المنفردة وتبكي بكاء مرا نادبة حظها سوء حالها.

أما "بواهرني" فانغمس في السرور، وانهمك في الشهوات محاولا نسيان امرأته وابنته فجلب ذلك له عارا وكثر تحدث الناس بأمره حتى صار مضغة في الأفواه، ولم ير من يمدحه على أعماله فتذكر زوجته الأمينة وحنوها وكمالها وجمالها فندم على قسوته وسوء معاملته لها، وأحب أن ترجع إليه ثانيا، فكتب لها مظهرا أسفه على ما فرط منه في الماضي واعدا أن يسلك معها بالمحبة والأمانة، ولا يعود في المستقبل إلى ما كان عليه مؤكدا لها احترامه لصفاتها الشريفة راجيا أن ترجع إلهي مع ابنتها لتجمع شمل تلك العائلة المشتتة.

فلما اطلعت "جوزفين" على رسالة زوجها جذبها الوجد والشوق إلى ابنها البعيد عنها وتصورت أنها ستضمه إليها فابتهجت بمجرد التصور والفكر ولكنها لم تكن قد نسيت الأتعاب والأحزان التي قاستها فذكرت أمرها لأصدقائها وأظهرت لهم أنه لولا شوقها إلى ولدها ما كانت تترك الجزيرة طول عمرها فألح عليها أصدقاؤها بالبقاء فلم ترض، بل ودعتهم ورجعت إلى فرنسا، ولما وصلت إليها قابلها زوجها بالترحاب وكان قد اختبر قيمة العيشة الأهلية، والمحبة الطاهرة النقية، وفرحت "جوزفين" بزوجها وابنها وسر زوجها من اجتماع الشمل بعد التفرق وتناسيا الأيام التعيسة الماضية وصمما على المعيشة بالصفاء والسعادة، ولكن الدهر في الناس قلب فإن صفاءهما لم يطل لما حدث من الاضطرابات عند شبوب نار الثورة الفرنساوية فإن البلاد كانت وقتئذ قائمة قاعدة، والملك والملكة كانا في السجن، وكان "بواهرني" في ابتداء الثورة من أشد أنصار حزب الحرية وانتخب معتمدا للجمعية التي أقامها ذلك الحزب فكان له إلمام بكل متعلقاتها، ثم انحل عقد الجميع فرجع إلى الجيش، ولما انتظمت جمعية اتفاق الأمة انضم إلى عضوية هذه الجمعية وانتخب رئيسا لها مرتين.

وانقسمت فرنسا في ذلك الوقت إلى حزبينن حزب مؤلف من العوام وآخر من الأشراف، وقوي حزب العوام على حزب الأشراف وكان قائده رجلا قاسيا يدعى "دوبس بير" فقبضوا على جمهور غفير من حزب الأشراف وأودعوهم السجن ليقتلوهم بعد المحاكمة، وكان في الجملة "جوزفين" وزوجها فإنهم قبضوا عليهما بعنف وساقوهما إلى السجن ووضعوا كلا منهما في مكان مظلم بعيدا عن الآخر، ولم يرثوا لحالة ولديهما الصغيرين

<<  <   >  >>