للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

مزينة بأفخر الزين والعجلات أمامها تلمع بعدد خيولها الذهبية والأرجوانية, والقواد والأبطال في ثيابهم الرسمية الموشاة بالذهب.

ولما كان وقت التتويج دخلت "جوزفين" في حلة من الأطلس الأبيض موشاة بالذهب, وموشحة بالخرز الذهبي, ومزينة بالحجارة الكريمة, ومشمل من المخمل القرمزي مبطن بالأطلس الأبيض, وفرو القاقم على أكتافها حلي التتويج, تاجين, الواحد لأجل التتويج ولتضعه على رأسها في احتفالات المملكة الخصوصية فقط والآخر لأجل باقي الأوقات الرسمية, ومنطقة أيضا.

أما التاج الأول فكان له ثمانية فروع ذهبية, أربعة منها على شكل النحل, والأربعة الأخرى على شكل روق الريحان وكانت حجارة الألماس البرلنتية منثورة عليها كنقط الندى وقد أحاطت بها حلق ذهبية مرصعة بحجارة من الزمرد والجمشت والتاج الثاني كان مصنوعا من أربعة صفوف من اللؤلؤ ومفصلا لحجارة ألماس ومن الأمام عدة حجارة من ألماس بلغ وزن واحدة منها مائة وتسعة وأربعين قمحة, وكانت المنطقة من الذهب الأبريز وقد رصعت بتسعة وثلاثين حجرا من ألماس الفلمنكي الملون.

أما "نابوليون" فدخل في حلة من المخمل الأبيض موشاة بالذهب ومزرورة بحجارة ألماس وجبة ومشمل من المخمل القرمزي موشيين بالذهب ومرصعين بحجارة ألماس أيضا، وكانت المركبة المكلية على غاية ما يكون من الإتقان والجمال فإن ألواحها كانت من الزجاج النقي ويجرها ثمانية رؤوس خيل حمر الألوان. وكانت المسافة بين "التوبلمري" و"نوتردام" نحو ميل ونصف، وكان عشرة آلاف خيال في ثيابهم الرسمية ملازمين العجلات، وبلغ عدد الناظرين نصف مليون، إذ كانت النوافذ والسطوح وشرف البيوت المطلة على الطريق التي مر عليها الموكب غاصة بالوقوف، وكانت الموسيقى تصدح بألحانها المطربة، والمدافع تضرب في الهواء وعشرات الألوف من العساكر تهتف معاً. وكانت تلك الساعة مما لم يسبق لها مثيل في تاريخ العالم، وكان العرش في كنيسة "نوتردام" مغطى بأغطية من المخمل القرمزي وعليه مقعد من المخمل أيضاً يرقى إليه باثنين وعشرين درجة مستديرة، وكانت مغطاة بالجوخ الازرق ومحلاة بالخرز الذهبي، فجلس "نابوليون" بجانب "جوزفين" على العرش ووقف كبار القواد على الدرج ثم ابتدأ التتويج وطالت مدته أربع ساعات وكانت تتخلله الموسيقى العسكرية ولما أزف الوقت لأن يضع البابا التاج على رأس "نابوليون" أخذه بيده واقترب إلى "نابوليون"، وقبل أن يضعه على رأسه أخذه "نابوليون" من يده ووضعه هو نفسه على رأسه ثم نزعه عن رأسه ووضعه على رأس "جوزفين"، ثم نزعه عن رأسها حالاً لثقله ووضعه على مسند بجانبه وتوجها بآخر أصغر منه ثم جثت "جوزفين" والتاج على رأسها ويداها مكتوفان وصلت لله والتفتت إلى زوجها التفاتة عبرت عن شكرها ومحبتها له، وبقي "نابوليون" يتذكر هذه الالتفاتة كل أيامه.

ولما تم التتويج وأزف وقت الانصراف ارتجل "نابوليون" خطبة تناسب المقام ذكر فيها أن نسله سيجلس على هذا العرش من بعده فأثر هذا الكلام تأثيرا عظيما في "جوزفين" ونشب كحربة في قلبها خصوصا لما تعهده في "نابوليون" والشعب الفرنساوي أيضا من الرغبة في أن يكون له ولد ولما عادت إلى "التوبلمري" كان الليل قد أرخى سدوله وأسواق المدينة مزينة بالأنوار و"التوبلمري" يتلألأ بها أيضا، ودخلت "جوزفين" مخدعها وجثت على ركبتيها وطلبت الإرشاد من ملك الملوك والدموع منسجمة على خديها.

أما أهالي باريس فخصصوا الشهر الأول من تتويج "نابوليون" و"جوزفين" بكل أنواع الأفراح والملاهي

<<  <   >  >>