للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

الشعب لتسليمه صولجان فرنسا في أقرب وقت, ولما رجع من سفره استلم قصر القديس "كلود" وكانت هذه خطوة أخرى إلى عرش "البوربون" فإن الشعب كان قد مل من سكينة الجمهورية, وأحب العودة إلى البهجة والأبهة الملكية فجدد هذا القصر وجعل "جوزفين" وأربع سيدات معها للقيام بواجباته, وحينئذ سمي "نابوليون" قنصل كل حياته.

وكانت "جوزفين" في ذلك الوقت باذلة غاية جهدها لتقنع "نابوليون" بوجود الله وبإرجاع الديانة المسيحية إلى البلاد لأن الكفر كان قد مد أعراقه في فرنسا و"جوزفين" نفسها لم تكن تعرف كثيرا من التعاليم الدينية, ولا كانت من ذوات التقى إلا أنها كانت قد رأت الكفر وتعاسة البلاد الناشئة عن رفض الديانة المسيحية والأتعاب الأهلية المسببة عن عدم اعتبار الزواج اعتبارا دينيا, وكانت تميز فضائل الدين المسيحي واقتداره على ردع الشعب عن عمل الشر وحملهم على عمل الخير, فاقتنع "نابوليون" بكلامها وأعلن إرجاع الديانة المسيحية على البلاد, وفي غد صدور الإعلانات أقيمت الاحتفالات الدينية المرة الأولى في كنيسة "نوتردام" وأرجعت الديانة المسيحية على المملكة, ولم يمض بعد ذلك مدة طويلة حتى كثرت الإشاعات في شأن تتويج "نابوليون" ملكا على فرنسا, وكان كثيرون راغبين في ذلك.

أما "جوزفين" فكانت ترتعد كلما سمعت ذلك, لأنها رأت احتياج "نابوليون" إلى ولد يخلفه إذا توج ملكا وكانت تسمع البعض يلحون عليه بأن يطلقها ويتزوج بغيرها من الأسرة الملكية قائلين: إن مصالح فرنسا تستلزم أن يكون له ابن يخلفه في الملك, وقد كانت متأكدة شدة محبة "نابوليون" لها إلا أنها كانت خائفة من إنفاذ هذا الأمر لأنها كانت قد عرفت أنه ليس لدى "نابوليون" تقدمة لا يمكنه تضحيتها لأجل مجده وتقدمه في هذه الدنيا.

وفي يوم من الأيام دخلت "جوزفين" غرفة زوجها فوجدته جالسا مع رجل آخر من أصحاب السياسة يتحدث معه في الأمور السياسية, فلما دخلت جلست قليلا, ثم قالت: إنها لا ترغب ألبتة في تتويج "نابوليون" ملكا بل تفضل بقاءه قنصلا كما هو. فضحك "نابوليون" وقال" "لماذا هذا الجنون يا جوزفين إلى متى تصدقين كلام هؤلاء العجائز".

وكان كلما قال أحد أمام "جوزفين" إنها ستكون إمبراطورة فرنسا عما قريب تجيب أنها مكتفية أن تكون امرأة القنصل "نابوليون" فقط.

وفي الثاني من (ماي) سنة ١٨٠٤ م قرر المجلس القضائي أن "نابوليون" سيكون إمبراطور فرنسا وأرسل التقرير إلى كل جهات فرنسا, فوافق عليه أكثر من ثلاثة ملايين ونصف من الشعب ولم يزد عدد المضادين على ألفين وخمسمائة.

وفي غد تبوء "نابوليون" تخت إمبراطورية فرنسا صنع احتفالا عظيما في "التوبلمري" لكل العظماء والأشراف, وبرزت بينهم طجوزفين" في ذلك الاحتفال إمبراكورة لفرنسا, ولكن مخاوف بعض المتوحيات نزعت كل أفراح تلك الساعة منها, ولم تكد تتمالك إظهار غمها وحزنها, وذلك لأن المجلس قرر أيضا أن الإمبراطورية ستدوم في أسرة "نابوليون", وقد حضر ذلك الاحتفال عدد عظيم من أكابر أوروبا وعظمائها فوجدت "جوزفين" نفسها حينئذ في درجة لم يصل إليها أعظم ملكات أوروبا, وكانت شهرة زوجها قد عمت كل أوروبا, وقوته قد فاقت أعظم ممالكها.

وفي الثاني من تشرين الثاني (أكتوبر) من السنة المذكورة حضر البابا من رومية لكي يتوجهما إمبراطورا وإمبراطورة على فرنسا في كنيسة "نوتردام" ولم يحصل على هذا الشرف أحد من ملوك أوروبا قبل "نابوليون" منذ عشرة قرون وكان الهواء في ذلك اليوم رائقا, والكنيسة

<<  <   >  >>