الأوقات الحرجة تمثل أبهج صورة من حسن معاملته إياها تؤكد سمو أخلاق "جوزفين" وآدابها وإلا لم يكن رجل نظير "نابوليون" يحسب الكتابة إليها يوميا فرضا واجبا عليه, وخصوصا في أحرج أوقاته, وقضيت "جوزفين" أكثر مدة غياب "نابوليون" في إصلاح الأشياء التي كانت تظن أن "نابوليون" يسر بإصلاحها, ولما رجع من الحرب صارا يقضيان جانبا من الوقت في "ملمازون" أكثر مما كانا يقضيان فيه قبلا وفتحا الأندية للزوار كما في "التوبلمري", وكان لهذه الأوقات التي تقضي فيه شهرة عظيمة, وكانت من أبهج أوقاتهما وقد كانا يقضيان جانبا منها في بعض الملاهي والألعاب اللطيفة ويشاركهما في ذلك ولدا "جوزفين" وبعض الأصدقاء الخصوصيين من ملوك وملكات وأمراء وأشراف وغيرهم من القواد المشهورين والضباط المميزين. ولكن "جوزفين" لم تغفل في وسط هذه الأفراح واللذات عن مساعدة الذين كانوا يحتاجون على مساعدتها بل كانت تساعد كل من كان في طاقتها مساعدته, وخصصت جانبا معينا من دخلها لمساعدة المهاجرين وكانت أحيانا تتهم بالإسراف, وبعد تبؤ "نابوليون" القنصلية بقليل أمر برجوع المهاجرين إلى أوطانهم وبذل غاية جهده في إرجاع أملاكهم المحجوزة ولا شك أنه وجد صعوبات كثيرة من جهات بعض الأرامل والأيتام الذين كان لهم ما يكفيهم من المال وأصبحوا فقراء مساكين ليس لهم شيء فكانوا يأتون إلى "جوزفين" ويقصون عليها قصصهم المحزنة فتسعى إليهم وترثي لأحوالهم, وتمدهم بالمساعدة التي تمكنها, وكانت دائما تفي بوعدها معهم شأن الكريم.
وكان عمر "هورتنس" وقتئذ نحو ثمان عشرة سنة وعمر "لويس" أحد إخوة "نابوليون" أربعا وعشرين سنة فاتفق "نابوليون" و"جوزفين" على أن يزوجا "هورتنس" ب"لويس". وكان "لويس" شابا عالما كثير التأمل, قليل الكلام مثل أخيه "نابوليون", وكان في كل شيء أشبه سائر إخوته به, ولما كان "نابوليون" في إيطاليا يحارب النمساويين تعرف "لويس" بقتاة من سلالة أحد الملوك القدماء فأحبها وتعلق قلبه بها, ولكن لما رجع "نابوليون" وعلم بذلك لم يسر به لأنه خاف أن اقترانهما ربما يضر به فأبعد "لويس" مع العساكر عن باريس ولم يسمح برجوعه حتى تزوجت الفتاة.
فلما رجع "لويس" وعلم أنها تزوجت تكدر كدرا عظيما ومن ثم تكدر صفو أوقاته ولم تعد الحياة تطيب له. أما "نابوليون" فشعر بهذا الجرح البالغ في قلب أخيه وكان دائما يجتهد في مرضاته, وأراد أن ينسيه تلك الفتاة, فعزم أن يزوجه ب "هورتنس" ولكن "لويس" لم يقبل ذلك -أولا- غير أنه قبل أخيرا, وكذا "هورتنس" لم ترغب من أول الأمر لأنها كانت تحب أحد القواد وكان من (أصدقائها) المقربين, وكان يتكل عليه أكثر من سائر القواد, ولكنها اغترت أخيرا بمواعيد رابها وقبلت أن يكون "لويس" بعلا لها, ولكنهما قضيا بعد اقترانهما حياة تعيسة إذ لم يكن أحدهما يحب الآخر وفي ساعة زفافهما لاحظ كل من الحاضرين أثر الغم على وجه من العروسين ولم تخف (بعدئذ) تعاستهما التي أدت إلى انفصال أحمدهما عن الآخر.
أما "جوزفين" فرافقت "نابوليون" في سنة ١٨٠٢ م عند طوافه ببعض جهات المملكة ورافقته أيضا في ذهابه إلى "ليون" لأجل ملاقاة نواب إيطاليا, وكانت حيثما ذهبت تدهش الجميع أيضا في ذهابه إلى "ليون" لأجل ملاقاة نواب إيطاليا, وكانت حيثما ذهبت تدهش الجميع بمزاياها الطبيعية وتأثيرها في زوجها وفي كل من عرفها, ومن ثم رجعت هي و"نابوليون" على قصرهما المحبوب في "ملمازون" وقضيا هناك عدة أسابيع في أفراح وسور لا يوصف, ثم عاد إلى الجولان في أطراف المملكة الشمالية لاستطلاع أحوال تلك القطائع, وكان الشعب يستقبلهما بالفرح والترحاب في كل مكان, ويثنون على "نابوليون" مزيد الثناء لإخماد نيران الثورة, وإرجاع النظام إلى المملكة, وتوطيد السلام فيها. وكان حيثما توجه يشعر باستعداد