للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

أما محل إقامتها الجديد فكان قصر "ملمازون" الذي كانت تفضله على سائر قصور الإمبراطور, وكانت قد قضت فيه هي و"نابوليون" أسعد أوقاتها فإن "نابوليون" كان يعرف محبتها لهذا القصر وقد أعطاها إياه لكي تقضي فيه باقي حياتها, وكان قد أجرى عليها راتبا سنويا قدره ستة آلاف ريال وأبقى لها اسمها ومقامها هناك, ومكثت "جوزفين" عائشة كما يعيش الملوك وكانت محبوبة عند كل شعب فرنسا ومعتبرة ومكرمة عند كل أهالي أوروبا وكان "نابوليون" يزورها غالبا ويستشيرها في أعماله, وقد أدرك الناس أن الذي يريد أن يرضي الإمبراطور ويكون من المقربين إليه هو الذي يلتفت إلى "جوزفين" ويحسن معاملتها وإكرامها ومن ثم أصبح قصر "ملمازون" محل اجتماع كل أعضاء بلاط "نابوليون" يأتون إليه دائما بحللهم الرسمية الملوكية, وكانت تدعو منهم كل يوم عشرة أو اثني عشر نفسا ليفطروا معها صباحا.

وفي الساعة الحادية عشرة قبل الظهر كانت تمر أمام الجميع إلى غرفة المائدة يتبعها المدعون حسب رتبهم ومقامهم, وكانت تفرز اثنين منهم للجلوس عن يمينها وعن يسارها, ويقف وقت الطعام خمسة من الخدم وراءها وخادم واحد وراء كل من المدعوين, وسبعة أفواج من رتب مختلفة كانوا يخدمون على المائدة. أما مدة الفطور فلم تكن تزيد عن ثلاثة أرباع الساعة إلا فيما ندر وكانت تذهب بعد الفطور مع سيداتها وضيوفها إلى قاعة التحف.

أما أوقات "جوزفين" فكانت تقضي في أعمال الرحمة مع المساكين حواليها والمطالعة واستقبال أعضاء بلاط "نابوليون" فإن منتداها كان دائما غاصا بهم, وكان "نابوليون" دائما يزورها ويقضي عندها ساعات كثيرة يتمشى بها معها في الجنينة أو في محل آخر أخذا بيدها, وكان يفعل كل ما في وسعه كي يعوض لها عن معاملته السالفة, وعن الحزن والغم اللذين سببهما لها, وكان قلبه باقيا متعلقا بها ويحبها محبة شديدة, ومحبته واعتباره لها يزدادان يوما فيوما, وكانت "جوزفين" تقضي أوقاتها يوميا على وتيرة واحدة فتنزل في كل يوم الساعة العاشرة صباحا إلى قاعة الاستقبال وتستقبل زوارها الذين كانوا من أعيان باريس, وكانوا يشتغلون ببعض الأمور المسلية مثل الصور الجميلة والنقوش البديعة والتحف الغربية والذي كان لا يرغب في ذلك, يذهب مع "جوزفين" لاستماع تلاوة بعض الكتب المفيدة من الموكل على بيتها وكانوا يقضون الوقت في ذلك إلى الساعة الثانية بعد الظهر فتأتي إذ ذاك ثلاث عجلات يجر كلا منها أربعة من جياد الخيل فتركب "جوزفين واحدة منها وتذهب مع اثنتين من خادماتها الخصوصيات وبعض الأصدقاء وتقضي مقدار ساعتين من الزمان: أحيانا في التنزه, وأحيانا في الجولان بين سكان القرية والتحدث معهم, ثم ترجع في الساعة الرابعة إلى القصر ويذهب كل في طريقه ويفعل ما يشاء إلى الساعة السادسة بعد الظهر ساعة العشاء بالمؤانسة والألعاب المختلفة إلى الساعة الحادية عشرة وحينئذ كانت تقدم الحلواء والشاي, وبعد ذلك الانصراف.

وفي شهر آذار (مارس) سنة ١٨١٠ م وصلت "ماريا لويزا" إلى باريس وجرى احتفال إكليلها على "نابوليون" في "سنت كلود", وكان حافلا جدا, وبعد الإكليل دوت باريس بأصوات الطرب فأخذ "نابوليون" عروسه إلى "التوبلمري" من حيث خرجت "جوزفين" منذ ثلاثة أشهر وكانت أصوات المدافع وقرع الأجراس وابتهالات الشعب ثقيلة جدا على قلب "جوزفين" واجتهدت في إخفاء حزنها وغمها, ولكن عبثا تفعل ذلك فإن اصفرار وجهها واغريراق عينيها لم يخفيا أمرها.

<<  <   >  >>