أما "نابوليون" فبقي يكاتبها ولم تمنع غيرة "ماريا لويزا" زيارته لها وبعد اقترانهما بأكثر من سنة ولد ملك لرومية. وفي نفس المساء الذي وصل هذا الخبر إلى "جوزفين" كتبت رسالة لطيفة إلى "نابوليون" تهنئه بالمولود وهذه خلاصتها: " سيدي, هل يمكن صوت امرأة ضعيفة أن يصل أذنيك في وسط التهاني الكثيرة الآتية إليك من كل جهات أوروبا ومدن فرنسا وأفراد جيشك, وهل تتنازل للإصغاء إلى التي طالما سلت أحزانك وخففت أوجاعك فتتكلم معك عن الفرح العظيم الذي به تحققت كل أمانيك أو تتجاسر التي ليست بعد امرأتك أن تهنئك بأنك صرت والدا. نعم سيدي, لا شك أن من القلب إلى القلب دليلا وأنا أعرف قلبك ولا أظلمك كما أنك أنت تعرف قلبي وأنني أقدر أن أحس معك كما أنك أنت الآن تحس معي ونحن الآن مشتركان بتلك المعاطفة التي تفوق كل شيء وإن كنا مفترقين.
كنت أشتهي أن أسمع منك أنت ميلاد ملك رومية, وليس من أصوات المدافع أو والي المقاطعة غير أني أعلم أن واجباتك الأولى هي للمملكة ولسفراء الدول الأجانب ولعائلتك, وعلى الخصوص للأميرة السعيدة التي بلغتك أمانيك. نعم, إنها لا تقدر أن تكون محبة لك أكثر مني ولكنها تمكنت من إتمام سعادتك أكثر مني إذ ولدت هذا الولد لفرنسا, ولذلك كان لها الحق الأول لعواطفك الأولى ولكل اعتنائك. وأما أنا فلم أكن إلا رفيقة لك في أيام الصعوبات, ولذلك فلا أطلب من فؤادك إلا مكانا بعيدا جدا عن المكان الذي تحله الإمبراطورة "لويزا" وغاية ما أؤمله الآن تأخذ قلمك وتتحادث قليلا مع أعز صديقة لك, ولكن ليس قبلما ينتهي سهرك بجانب سرير امرأتك, ولا قبلما تتعب من معانقة ولدك وها أنا ذا بالانتظار.
أما أنا فيعتذر علي الإبطاء في إخبارك بأني أفرح لفرحك أكثر من كل إنسان في العالم وأنت لا تشك في خلوص محبتي وصدق كلامي وأنا آسفة على شيء واحد وهو أني لم أفعل حتى الآن ما به الكفاية لأبين لك مقدار حبي لك، وأني لم أسمع شيئاً عن صحة الإمبراطورة سأتجاسر أن أتكل عليك يا سيدي بقدر أملي بك أن اسمع منك عن هذه الحادثة العظيمة التي حصلت دوام الاسم الشريف الذي أنت تمثله وأن "أيوجين" و"هورتنس" سيكتبان لي مفصلا عن ذلك، ولكني منك أشتهي أن أسمع إذا كان ابنك حسناً أو إذا كان يشبهك أو إذا كان يؤذن لي في رؤيته يوما ما، وبالاختصار إني انتظر منك ثقة غير محدودة وعلى ذلك سيدي لي حقوق بالنظر إلى محبتي غير المحدودة التي لا تتغير ما دمت حية".
فلما انتهت جوزفين من كتابة هذه الرسالة أرسلتها إلى "نابوليون" ولكنها لم تفتح الباب لترسل رسالتها حتى وقف أمامها رسول "نابوليون" وبيده رسالة منه يبشرها فيها بالمولود فأخذتها "جوزفين" منه وذهبت بها إلى غرفة منامها وبعد نصف ساعة رجعت إلى أصحابها وقد احمرت عيناها من البكاء ورسالة "نابوليون" في يدها ملطخة الدموع، فدفعت إلى رسول الإمبراطور رسالة أخرى كانت قد كتبتها جوابا للإمبراطور على رسالته وأعطته دبوسا من ألماس وألف ريال من الذهب علامة على اعتبارها قيمة البشرى التي حملها إليها، وبعد أن صرفت الرسول أخذت رسالة الإمبراطور وتلتها على أصحابها الحاضرين.
ولم ينقطع الإمبراطور بعد ذلك عن زيارة "جوزفين" بل كان يذهب إليها كالأول، ودبر طريقة تمكن بها من تقديم الولد على يديه لها حتى تراه، وكان ذلك في المضرب الملوكي قرب باريس وقد ذكرت "جوزفين" بعد ذلك في