إحدى رسائلها إلى "نابليون" أن تلك الدقيقة التي رأته فيها حاملا ولده على يديه كانت أسعد ما لاقته في حياتها لأنها كانت أوضح علامة أظهر فيها محبته الأكيدة لها.
أما الغرفة التي كانت منام "نابوليون" في "ملمازون" قبل انفصاله عن "جوزفين" فبقيت كما كانت، وكان مفتاحها مع "جوزفين" وكانت هي تذهب إليها يوميا وتنزع الغبار عن أداوتها وأثاثها ولم تسمح ألبته بتغيير شيء أو نقل شيء من مكانه، وكانت في ألو مدة إتيانها إلى "ملمازون" حزينة كئيبة، وعلامات الكدر والغم تلوح على وجهها على الدوام فأعطاها "نابوليون" قصر "نافار" كان حواليه منتزهات فسيحة تجري فيها الأنهار الصافية وتغرد في أشجارها الطيور الجميلة.
وكان هذا القصر أحد القصور الملكية وهو قائم في وسط غابة "إفري" الشهيرة وكان قد تعطل قليلاً في مدة الثورة فأعطى "نابوليون""جوزفين" ٣٠٠ ألف ريال لترميمه وإصلاحه فرممته وأصلحته وحسنت فيه أشياء كثيرة حسب ذوقها حتى جعلته كجنة عدن، وصارت تفضله على "ملمازون" وبعد أن نقلت إليه بأيام قليلة كتبت إلى "نابوليون" الرسالة الآتية: "سيدي، تشرفت هذا الصباح برسالتك العزيزة التي كتبتها إلي مساء اليوم الذي تركت فيه "سنت كلود" وقد بادرت إلى إجابتك عما فيها من المواضيع اللطيفة الحبية. والحق أن هذه المواضيع تدهشني، ولكن ما أدهشني غير سرعتها، فإنه ليس لي هنا سوى خمسة عشر يوماً فتأكدت فيها أن محبتك لي تطلب تسليتي وتعزيتي حتى في الوقت الذي نحن فيه منفصلان الانفصال الذي كان لا بد منه لراحتنا كلينا ويقيني أن حسن اعتنائك بي والتفاتك إلي يتبعاني حيث كنت ويعزياني.
والآن لم يعد لي شيء أشتهيه بعد اختيار محبة كانت مشتركة وآلام محبة ليست بعد مشتركة، وبعد التمتع بكل السرور الممكن للقوة غير المتناهية أن تمنحه، وبعد أن نلت كل السعادة بنظري على الإنسان الذي أحبه فوق جميع الناس. نعم، إنني لا أشتهي شيئا سوى السكون والراحة وهكذا فإني الآن لا أرى أن لي شيئا من دواعي الحياة سوى عواطفي الحبية نحوك ومحبتك لأولادي والأمل أنه ربما يمكنني أن أفعل بعد شيئا من الخير يؤل على راحتك وسعادتك، لذلك لا تأسف معي لأني هنا بعيدة عن البلاط الذي يظهر أنك تظن أني أتحسر عليه فإني هنا في "نافار" محاطة بأحباء أعزاء وحرية لا تباع أميالي في الفنون وإني أجد نفسي أحسن مما لو كنت في أي مكان آخر.
وعندي هناك كثير للعمل لأني أرى حوالي علامات الخرائب التي أحدثتها الثورة الهائلة وسأبذل جهدي لأزيل آثارها من هذا البناء، كما أن سعادتك علمت الناس أن ينسوها، وإصلاح هذه الخرائب ومساعدة المساكين حولي يسراني أكثر من تملق سكان البلاط وما يظهرونه من التصنع والتكلف.
إني أخبرتك سابقا عن كل أعضاء هذا البيت ولكني لم أخبرك ما به الكفاية عن سيادة المطران "بورليايرفاني" كل يوم أتعلم منه أمورا جديدة تجعل اعتبار الإنسان الذي يقرن عمل الخير بالسيرة الممدوحة يعظم في عيني، وسأتكل عليه في توزيع صدقاتي في "إفري"، ولما كان هو سيوزعها على الفقراء كنت على ثقة أنها ستوزع على الجميع بالسواء.
سيدي، إني لا أقدر أن أقوم بالشكر الواجب لك لأجل الحرية التي متعتني بها في انتخاب أعضاء بيتي الذين يزيدون جميعا في بهجة عيشي البيتية، وليس ما يحسرني ألبتة سوى شيء واحد وهو رسمية اللباس هنا في