ألا مخبر بعد الفراق يخبرنا ... فمن ذا الذي يا قوم أشغلكم عنا
فلو كنت أدري أنه آخر اللقا ... لكنا وقفنا للوداع وودعنا
ألا يا غراب البين هل أنت مخبري ... فهل بقدوم الغائبين تبشرنا
لقد كانت الأيام تزهو لقربهم ... وكنا بهم نزهو وكانوا كما كنا
ألا قاتل الله النوى ما أمره ... وأقبحه ماذا يريد النوى منا
ذكرت ليالي الجمع كنا سوية ... ففر قناريب الزمان وشتتنا
لئن رجعوا يوما إلى دار عزمهم ... لثمنا خفاقا للمطايا وقبلنا
ولم أنس إذ قالوا ضرار مقيد ... تركناه في دار العدو ويممنا
فما هذه الأيام إلا معارة ... وما نحن إلا مثل لفظ بلا معنى
أرى القلب لا يختار في الناس غيره ... م إذا ما ذكرهم قلبي المضنى
سلام على الأحباب في كل ساعة ... وإن بعدوا عنا وإن منعوا منا
ثم بكت وقالت: إنا لله وإنا إليه راجعون فوالله لأخذنا بثأره إن شاء الله تعالى، ولما زحفت عساكر الإسلام إلى أنطاكية لأجل خلاص ضرار سار معهم النساء اللاتي لهن أسرى وفي مقدمتهن خولة بنت الأزور وهي تنشد قولها من المراثي المبكيات:
أبعد أخي تلذ الغمض عيني ... فكيف ينام مقروح الجفون
سأبكي ما حييت على شقيق ... أعز علي من عيني اليمين
فلو أني لحقت به قتيلا ... لهان علي إذ هو غير هون
وكنت إلى السلو أرى طريقا ... وأعلق منه بالحبل المتين
وإنا معشر من مات منا ... فليس يموت موت المستكين
وإني إن يقال مضى ضرار ... لباكية بمنسجم هتون
وقالوا لم بكاك فقلت مهلا ... أما أبكي وقد قطعوا وتيني
ولما أسر ضرار المرة الثالثة في وقعة " دير المسيح" من أرض البهنسا وسار المسيب ورافع وجماعتهما في طلبه تهللت فرحا، وأسرعت في لبس سلاحها، وأتت إلى خالد تستأذنه في المسير معها فقال لهما خالد: أنتما تعلمان شجاعتها وبراعتها فخذاها معكما فقالا: السمع والطاعة، ثم ساروا حتى بلغوا منتصف الطريق وكمنوا قبل مرور القوم فبينما هم كامنون وإذا بالقوم قد أتوا محدقين بضرار وهو متألم من كتافه وهو ينشد ويقول:
ألا بلغوا قومي وخولة أنني ... أسير رهين موثق اليد بالقيد
فيا قلب مت هما وحزنا وحسرة ... ويا دمع عيني كن معينا على خدي
فلو أن أقوامي وخولة عندنا ... لألزم ما كنا عليه من العهد
ولو أنني فوق المجمل راكبا ... وقائم حد العضب قد ملكت يدي
لأذللت جمع الروم إذلال نقمة ... وأسقيهم وسط الوغى أعظم الكد
فنادته خولة من مكمنها قد أجاب الله دعاءك وقبل تضرعك أنا خولة ثم كبرت وحملت وكبر بقية العسكر وحملوا حتى خلصوا ضرار من الأسر ووقائعها كثيرة وقد أبلت بلاء حسنا في فتوح الشام ومصر، عمرت