للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

ثم بنوا لها بيتا سمته القيطوم، فلما تكامل بناؤه وتم إتقانه دعت بحضور مصور حاذق فصور في الحائط صورة يوسف وزليخا متعانقين ولم يبق من صورتهما شيء غلا صور، وأمرت بسرير من ذهب مرصع بالدر والياقوت واللؤلؤ، فوضعته في صدر البيت وجعلت عليه فرش الديباج والحرير الملون، ثم فرشت البيت وأرخت الستور، ثم ألبست زليخا من نوع من الحلي والحلل النفيسة ما لا يوصف ولا يقدر بقيمة وأجلستها على مرتبة عظيمة مما يليق بمثلها.

ثم خرجت إلى يوسف وهي مستعجلة فقالت: يا يوسف أجب سيدتك زليخا فإنها تدعوك في بيتها القيطوم وكان سامعاً لها مطيعاً، وكان بيده قضيب من ذهب يلعب به، فرمى القضيب من يده وأسرع إلى الباب ليدخل فنادته زليخا مستعجلة له بالدخول فظن السوء في نفسه وأراد الرجوع بعد أن وضع رجله داخل العتبة، فتوقف عند ذلك وزاد إحساس قلبه بالشر فأسرعت إليه وجذبته إلى السرير وقالت: هيت لك، فأغمض عينيه وكف يديه ونكس رأسه حياء من الله تعالى فقالت له: يا يوسف، ما أحسن وجهك· قال: الله صوره في الأرحام· قالت: ما أحسن عينيك! قال: هما أول ما يسقطان مني في قبري· قالت: ما أحسن شعرك! قال: هو أول ما يبلى مني· قالت: يا يوسف: ما أطيب ريحك! قال: لو شممت رائحتي بعد ثلاث لفررت مني، قالت: يا يوسف أتقرب إليك فتتباعد مني! قال لها: أرجو بذلك التقرب من ربي· قالت: انظر إلي نظرة واحدة· قال لها: أخشى العمى من ربي في آخرتي· قالت: ضع يدك على فؤادي· قال لها: إذا تغل في النار يدي· قالت: أشتريك بمالي وتخالفني· فقال: الذنب لإخوتي إذ باعوني حتى ملكتيني· قالت: اصبر معي ساعة واحدة في البيت· قال لها: ليس فيه شيء يسترني من ربي قالت: يا يوسف، بأي وجه تخالفني وبأي حكم ترجع عن مرادي ولا ترعى صنعي؟ قال لها: حكم إلهي الذي في السماء عرشه، وفي الأرض سلطانه وبطشه وإكراماً لسيدي الذي أكرم مثواي وأنزلني منزلة الأولاد· فقالت له: أما إلهك الذي في السماء فإني أفتح بيوت الأموال وأتصدق عنك بها وأهديها إليه حتى يرضى عنك ويغفر لك، ولا أبالي أنا فيما يفعل في حقي لمرادي وقضاء حاجتي، وأما سيدك الذي أكرم مثواك فأنا أطعمه السم حتى ينتثر لحمه ويسقط عظمه ويموت جهداً وكمداً، وأكون أنا وأموالي وما ملكت يداي ملكك وطوع يمينك· قال: إذاً فما يكون عذري يوم القيامة بين يدي ربي إذ أكون فضلاً عن ارتكاب المعصية سبباً في جريمة قتل سيدي الذي أحسن إلي. وبعد هذه المحاورة التفت يوسف إلى صنم داخل البيت وعليه ستر فقال لها: لماذا سترت هذا الصنم؟ قالت: استحيت منه، فقال: إذا كنت تستحين من هذا وهو لا يسمع ولا يدري ولا ينفع ولا يضر فكيف أنا لا أخاف من ربي وقام وبادر بالخروج من الباب من غير أن يكون بينهما سبب من الأسباب وقد شهد الحق له بذلك في كتابه العزيز بقوله تعالى (كذلك لنصرف عنه السوء والفحشاء إنه من عبادنا المخلصين) (يوسف: ٢٤) .

ولما رأته فر يريد الباب أدركته وجذبت قميصه من خلفه فتمزق القميص ووافق ذلك الوقت أن العزيز مر بالباب يريد قضاء حوائجه فإذا بوجبة فالتفت فإذا بالباب يحمل ويساق فدفع الباب وقال: من؟ فإذا يوسف مقدود الثوب باكي العين وإذا زليخا ناشرة الشعر محمرة الوجه باكية العين· فقال العزيز: فيم أنتما؟ فقالت زليخا: ياسيدي غلامك العبراني الذي ائتمنته على أهلك ومننت عليه بفضلك، وأحللته محل ولدك يريد بأهلك السوء· فأقبل العزيز على يوسف بوجهه وقال: يا يوسف، هذا جزائي منك ائتمنتك على أهلي وأحللتك محل الأولاد المكرمين، ورجوت الخير والانتفاع بك فصرت تخونني في أهلي· فقال يوسف: معاذ الله أن أخونك في أهلك وأرضى بذلك! بل هي راودتني عن نفسي· فوقف العزيز متحيراً ينظر إليها تارة وإليه أخرى

<<  <   >  >>