فقال يوسف: إن لي شاهداً يشهد ببراءتي· فقال العزيز: ما هو الشاهد ولم يكن معكما أحد في البيت؟ فقال: انظر هذا القميص كيف قد من دبر فلو كنت أنا المراود لكان القميص قد قد من قبل وهذا برهان محسوس على ذلك وكان مع العزيز ابن عم زليخا، فلما سمع هذا الدليل وجده قاطعاً فقال: انظر إلى قميصه إن كان قد من قبل فصدقت وهو من الكاذبين وإن كان قميصه قد من دبر فكذبت وهو من الصادقين فنظر العزيز إلى القميص فوجده ق د من دبر فقال لها: إن ذلك من كيدكن إن كيدكن عظيم ثم قال ليوسف: اكتم هذا ولا تبح به لأحد وقال لها: استغفر لذنبك إنك كنت من الخاطئين ثم تركها وانصرف·
وبعد ذلك قالت ليوسف: قد فضحتني والله لأسلمنك للمعذبين يعذبونك حتى ينسل جسمك كما سللت جسمي· فقال لها: إن كنت احتقرتني لغربتي فالله حسبي ونعم الوكيل· واشتغلت عن ذلك بكلفها به وشاع الخبر بمصر أن امرأة العزيز راودت فتاها عن نفسه قد شغفها حباً، وقد اجتمع نساء الملوك والأمراء والقادة مرة وتذاكران أمرها قاستقبحنه وقلن: إنها في ضلال مبين، فبلغ ذلك زليخا وعظم عليها فأرادت أن تبين عذرها لهن فيه فصنعت لهن صنيعاً وأرسلت إليهن تدعوهن لضيافتها، وهيأت لهن مجلس أنس وأوجدت فيه كل معدات الطرب وكن عشرة نسوة من نساء الملوك والأمراء وعشر بنات أبكار من بنات الملوك والأمراء، وبعد أن تناولن الطعام قدمت لكل واحدة منهن صحفة من عسل وأترجة وسكيناً حاداً، وقالت لهن: ما حقي عليكن؟ فقلن لها: أنت سيدتنا وكبيرتنا والمطاعة فينا نسمع لك ونطيع· فقالت: لهن: بحقي عليكن إذا خرج عليكن فتاي يوسف إلا ما قطعتن له مما في أيديكن وأعطيتنه يأكل· فقلن لها حباً وكرامة· فتركتهن وذهبت إلى يوسف وقالت له: يا يوسف، أطعني اليوم واعصني أبداً· قال: أما مالم يكن فيه سخط ربي فلا أبالي · فقالت له: دعني حتى أزينك وإن كنت مزيناً قال: اصنعي ما بدا لك، فرصعت جوانبه بالدر والياقوت وكللت جبينه بالجوهر وألبسته قباء أخطر ومنطقته بمنطقة من ذهب أحمر، ووضعت على عاتقه منديلاً من السندس وكأساً من ذهب في يده وقالت: اخرج عليهن فلو رأين منك ما رأيت لذهبن عن أنفسهن ولتركن الطعام والشراب ولمن أنفسهم كما لمنني· فخرج عليهن وهن قعود يقطعن في الأترج فلما رأينه ظنن أن صنم زليخا الذي تعبده وكن يسمعن به ويحببن أن ينظرن إليه، فلما بدا لهن يوسف أكبرنه وصرن شبه السكارى والحيارى من كثرة تعجبهن من بهائه وكماله وأمعن في نظرهن إلى حسنه وجماله ورمن أن يقطعن ما في أيديهن كما شرطت زليخا عليهن فصرن يقطعن أيديهن وصارت الدماء تسيل في حجورهن ولا يجدن ألم القطع ولا حدة السكاكين ولا وقوع الدم على الأجسام، ويوسف يقول: ويحكن ماذا تصنعن بأنفسكن إنما أنا عبد من عبيد ربي، وزليخا تضحك مما تراه منهن من تقطيع أيديهن وذهاب عقولهن وأمرته بالانصراف، فلما غاب عن عيونهن رجعن إلى حسهن فقالت لهن زليخا: ويحكن من لحظة واحدة فعلتن بأنفسكن هذا وأنا منذ سبع سنين أقاسي منه ما أقاسي، وأخدمه على أطراف البنان وهو لا يعيرني طرفه ولا يلتفت نحوي فقلن لها: حاشى لله ما هذا بشراً أن هذا إلا ملك كريم فقالت لهن: ما هذا الذي فعلتنه بأنفسكن؟ فلما رأين ما نزل بهن أدركهن الخجل وذكرن ما لمنها به· فقالت لهن: هذا الذي لمتنني فيه ولقد راودته عن نفسه فاستعصم وأبى ولئن لم يفعل ما آمره لأسجننه وأعذبنه حتى يكون من الصاغرين· وقد أقرت لهن بأمرها لكونهن عذالها ورأتهن وقعن بما وقعت به فقلن لها: إنك لمعذورة فمرينا أن نكلمه بشأنك عساه أن يطيع ويسمع عندما توبخه عن إعراض نفسه