وقلن: حاشى الله ما علمنا عليه من سوء، ولا كانت رغبة فينا ولا دعوة للزنا وإنه لبريء الساحة طاهر الذيل· فقالت زليخا: هذا وقت بيان الحق واضمحلال الباطل إن مراد حبيبي إقراري· فأنا أقر بذنبي، الآن حصحص الحق أنا راودته عن نفسه وإنه لمن الصادقين، ولما ظهرت براءة يوسف وتبوأ الملك وحصل القحط في مصر نسي زليخا ولم يفتكر بها لكثرة أشغاله، وقد مات العزيز زوجها وهي لكثرة إسرافها نفذت أموالها خصوصاً في أيام القحط التي حصلت بمصر في مدة يوسف حتى صارت لا تملك شيئاً ومدة يدها للسؤال فقيل لها: تعرضت للصديق لرحمك وأعطاك شيئاً عن الناس يغنيك· وقيل لها من آخرين: لا تفعلي فربما يذكر ما كان منك إليه من المراودة وطول السجن والمخالفة فيسيء إليك ويعاقبك فقالت: أنا أعلم بحبيبي منكم وإن من خلقه الصفح والاحتمال والفضيلة والابتهال، ثم نهضت حتى جلست على ربوة بطريقه وكان ليوسف يوم يركب فيه في كل أسبوع وكان يركب معه من عظماء دولته ووزرائه وقواده وأرباب مملكته نحو المائة ألف نفس، فلما أقبل يوسف وأحست به قامت ونادت بأعلى صوتها سبحان من جعل العبيد ملوكاً بالطاعة، وجعل الملوك عبيداً بالمعصية· فأمسك العنان ونظر إليها وهي واقفة في ذلك المكان فقال لها: من أنت؟ قالت: أنا التي كنت أخدمك دهراً وأرجل جمتك وكان مني ما كان في ذلك الزمان قد ذقت وباله ولقيت نكاله، وتغيرت كما ترى أحوالي، وصرت أسأل الناس الذين كانوا يسألوني فمنهم من يرحمني ومنهم من يعرض عني، وهذا جزاء من خالف مولاه واتبع هواه·
فلما سمع الصديق كلامها بكى إشفاقاً عليها ثم قال لها: هل بقي بقلبك شيء مما كان؟ قالت: والله لنظرة فيك أحب إلي من الدنيا وما فيها ثم قال ت: ناولني سوطك فناولها إياه فوضعته على قلبها فأحس يوسف بانتفاض يده مع السوط من شدة انتفاض قلبها وقال لها: ما أصاب قلبك؟ فقالت: يا يوسف، هو كما ترى· فقال لها: اذهبي إلى منزلك وإننا سننظر في أمرك، ثم ذهب باكياً وبعد وصوله إلى مستقره أرسل إليها رسولاً فقال: يقول لك الملك إن كنت أيماً تزوجناك وإن كنت ذات بعل أغنيناك· فقالت للرسول: إليك عني فإن الملك أعرف بالله من أن يستهزئ بي فإن لم يلتفت إلي أيام شباب وجمالي فكيف يلتفت إلي الآن ولم تصدق قوله، فرجع الرسول وأخبر الصديق بما قالت وذكرت من شأنها، فعلم أنها غير واثقة تصدق قوله، فرجع الرسول وأخبر الصديق بما قالت وذكرت من شأنها، فعلم أنها غير واثقة بما قاله لها الرسول· فلما كان في الأسبوع الثاني مر الصديق عليها بموكبه فرآها على الحالة التي رآها بها أول مرة وقالت له كما قالت في الأول فقال لها: ألم يبلغك رسولي ما أرسل به إليك فما ترين؟ فقالت: ألم أقل إن نظرة إليك أحب إلي من الدنيا وما فيها· فلما سمع منها ذلك أمر بحملها إلى قصره وأحضر الشهود وتزوجها، فلما زفت عليه وأدخلت إليه نظر إليها فزاد إشفاقاً عليها فأكرمها إكراماً لا مزيد عليه، ورتب لها من يقوم بأودها ولم يمض زمن حتى عاد إليها جمالها ورونقها وبهاؤها وكمالها وذلك من سوروها بما نالت من حبيبها حلاً بعد الحرام، وانتقالها من دنيا إلى أخرى بقدرة الملك العلام· وقيل: إنها طلبت إليه أن يدعو الله أن يرد لها جمالها ففعل، وهنالك تذكرت المنام الذي كانت رأته قبل تزوجها بقطفير فرأت تفسيره قد حصل بزواجها بيوسف، أن لبست تاج مصر في مدته وصارت ملكة كعادة زمانهم ولما دخل عليها يوسف وجدها بكراً فتعجب من ذلك وقال لها: ما كنت تفعلين حين راودتني عن نفسي قالت: أيها الصديق اعذرني ولا تلمني فإن الله كساك حلة الجمال والبهاء والكمال وكان زوجي عنيناً لا يقرب النساء فغلب علي حب الشهوة ففعلت ما فعلت· ولما أتاها ولدت له "افراديم" وبعده"منشا" وذلك في مدة أربع سنوات ولم تلد له خلافهما مدة حياتها·