بالمراسلات ألم يطرق مسامعهم روايات الأميين، وأحاديث الجاهليين. فيا رجال أوطاننا وملاك زمام شأننا لم تركتموهن سدى، وذهلتم عن مزايا التأمل في (ما تفعل اليوم ستلقاه غدا) فمن أكم بخلتم عن أن تمدوهن بزينة الإنسانية الحقيقية، ورضيتم بتجردهن عن حليتها البهية، وهن بين أنامل سطوتكم أطوع من قلم، وخضوعهن لسلطتكم أشهر من نار على علم، فعلام ترفعون أكف الحيرة عند الحاجة كالضال المعنى، وقد سخرتم بأمرهن وازدريتم باشتراكهن معكم في الأعمال واستحسنتم انفرادكم في كل معنى فانظروا عائد اللوم على من يعود.
وإني أروم إظهار مقالي هذا ولكني لم أر ساعدا يكون لي مساعدا حتى منحنى المراد مفتاح درج ما كنه الفؤاد، وهي رسالة إحدى السيدات التي ترى تربية البنات من الوجبات، فيا لها من سيدة جلت بلوامع انتباهها في الليلة الليلاء سرجا، ورقت بقوة إدراكها في هذا السبق درجا، وانشقت أذهان السامعين من زهر فطنتها أرجا، وكحلت بإثمد نصحها عيون الناظرين فأحيت بصيره، وأدارت أسنة اللوم عنهن لأنها بقدرهن خبيرة فحق لي أن أهنئ المخدرات بفضل تلك المشارة التي شنفت مسامع الأيقاظ بهذه الإشارة هذا وإني أرى أنجم مصابيحها الغراء تنور بين أيدي الفضلاء، وتهدي أن يميل كل دان بالالتفات إلى ذلك الثناء المشهود، وتشغف كل مبصر منه يوصله إلى سبيل المقصود، والسلام على من اتبع الهدى) .
ومن مراسلاتها إلى السيدة وردة - كريمة الشيخ ناصيف اليازجي - ردا على خطاب ورد للمترجمة منها وهو:(بسم الله أقول، وعزة مآثر البراعة، وعذوبة مذاق مزايا البلاغة، إني لأغبط كتابي لدى لقاء من أؤدي إليه جوابي فلو تطاوعني الإرادة لقرنت عين الإنسان بكل عين من حروفه، وصيرت نفس مرآة العيان قرطي مظروفه، أو قبل الشمل هديا لجعلت قربانه أبعد، أو رام أعظم رشوة وهبت إليه وجدا لم أجد له حد، وذلك عندما أقبل كتابكم من سماء المعاني بعبقري الخطاب، ونقشت رقة أرقام زبدة معانيه على صحاف الصدر، فنطق الجنان قبل اللسان بالترحاب، فلله در كتاب ما نطقت ولادة إلا بحروف هجايته، وما تغزل قيس إلا بألفاظ كادت تداني براعة بدايته، قد أسس بشير يراعه بخلاصة تأثير مآله حديقة الحق بالود وسقى عطير مداده غرائس صدق تفتر عن كل غرام ووجد، وقد عن لي أن أتتوج بتلك الحلية التي توسطت في فتح باب يانعة الوداد وأنالتني نشيق تفاحات وردت هي لانتعاش الروح عين المراد فأملي أن لا تبخلي علي بتلك العاطرة ما هب الصبا، كما انك لا تبرحين من بالي ما لاح كوكب، لا زال سنا عرفانك لائحاً بتيجان الربا وذكاء بهائك يبدي سلام من حملها حبكم وصبا) .
ومن مراسلاتها للسيدة وردة المذكورة أيضا: (استهل براعة سلام حمل الشوق رسالته وتقلد الشفق ما نشقت ناشقة عرف الوداد كفالته، ولو رضيت المجال في صدق المقال لنطق بخالص الوفاء مداد حروفه، وأقام بأداء التحية العاطرة قبل فض ختام مظروفه ولعمري قد توجته أزاهر الثناء بلآلئ غراء، وكالمنه زواهر الوفاء من خالص الوداد إلى حضرة من لا تزال تستروح الأسماع بنسيم أنبائها صباحا ومساء، وتشوق الأرواح إلى استطلاع بدر إنسانها الكامل أطرافا وإناء، ومما زادني شوقا إلى شوق حتى لقد شب فيه طفل الشفق عن الطوق اجتلائي حديقة الورد القدسية ونافجة الدب المسكية، فيا لها من حديقة رمقتها أحداق الأذهان فاقتبست نورا ونوار، وانتشقتها مسام