عيش الحجاز والنشء بين العامة والعرب الجفاة، ومن غلظ طبعه وقد شهد لها بذلك من لا يحتاج مع شهادته إلى غيره.
وكانت عريب لعبد الله بن إسماعيل صاحب مراكب الرشيد وهو الذي رباها وأدبها وعلمها الغناء ونقل صاحب الأغاني من حديث إسماعيل بن الحسين خال المعتصم أنها ابنة جعفر بن يحيى البرمكي وأن البرامكة لما انتهبوا سرقت وهي صغيرة.
وقيل: إن أم عريب كانت تسمى فاطمة وكانت قيمة لام عبد الله بن يحيى بن خالد، وكانت صبية نظيفة فرآها جعفر بن يحيى فهويها، وسأل أم عبد الله أن تزوجه بها ففعلت وبلغ الخبر يحيى بن خالد، فأنكره وقال له: أتتزوج من لا يعرف لها أم ولا أب اشتر مكانها مائة جارية وأخرجها إلى دار في ناحية باب الأنبار سرا من أبيه ووكل بها من يحفظها وكان يتردد إليها فولدت عربيها في سنة إحدى وثمانين ومائة فكانت سنوها إلى أن ماتت ستا وتسعين سنة.
وقيل: إن أم عريب ماتت في حياة جعفر فدفعها إلى امرأة نصرانية وجعلها داية لها، فلما حدثت الحادثة بالبرامكة باعتها من سنبس فباعها من المراكبي، وقيل: إن الفضل بن مروان كان يقول: كنت إذا نظرت إلى قدمي عريب شبهتهما بقدمي جعفر بن يحيى قال: وسمعت من يحكي أن بلاغتها في كتبها لبعض الكتاب فقال: فما يمنعها من ذلك وهي بنت جعفر بن يحيى.
وروى أبو الفرج الأصبهاني عن محمد بن خلف أنه قال: قال لي أبي: ما رأيت امرأة أضرب من عريب ولا أحسن صنعة، ولا أحسن وجها، ولا أخف روحا، ولا أحسن خطابا، ولا أسرع جوابا، ولا ألعب بالشطرنج والنرد، ولا أجمع لخصلة حسنة لم أر مثلها في امرأة غيرها. قال حماد: فذكرت ذلك ليحيى بن أكثم في حياة أبي فقال: صدق أبو محمد كذلك قلت: أفسمعتها. قال: نعم، هناك - يعني في دار - المأمون - قلت: أفكانت كما ذكر أبو محمد في الحذق؟ فقال يحيى: هذه مسألة الجواب فيها على أبيك فهو أعلم مني بها فأخبرت بذلك أبي فضحك، ثم قال: أما استحيت من قاضي القضاة أن تسأله عن مثل هذا.
وأخبر علي بن يحيى أنه كان لإسحاق صناجة وكان معجبا بها واشتهاها المعتصم في خلافة المأمون فبينما هو ذات يوم في منزله إذ أتاه إنسان يدق الباب دقاً شديداً قال: فقلت: انظروا انظروا من هذا فقالوا: رسول أمير المؤمنين فقلت: ذهبت صناجتي تجده ذكرها له ذاكر فبعث إني فيها.
فلما مضى بي الرسول انتهيت إلى الباب وأنا مسخن فدخلت فسلمت فرد علي السلام ونظر إلى تغير وجهي فقال لي: اسكن، فسكنت فقال لي عن صوت. قوال: أتدري لمن هو؟ فقلت: أسمعه، ثم أخبر أمير المؤمنين إن شاء الله بذلك، فأمر جارية من وراء الستارة فغته وضربت، فإذا قد شبهته بالقديم فقلت: زدين معها عودا آخر فإنه أثبت لي. فزادني عودا آخر فقلت: هذا الصوت محدث لامرأة ضاربة قال: من أين؟ قلت: ذلك. قلت: لما سمعت لينه عرفته أنه محدث من غناء النساء ولما رأيت جودة مقاطعة علمت أن صاحبته قد حفظت مقاطعة وأجزاءه، ثم طلبت عودا آخر فلم أشك فقال: صدقت الغناء لعريب وقال يحيى بن علي: أمرني المعتمد على الله أن أجمع غناءها الذي صنعته فأخذت منها دفاترها وصحفها التي كانت قد جمعت فيها غناءها فتكتبه فكان ألف صوت، وسأل ابن خرداذيه عريب عن صنعتها فقالت: قد بلغت إلى هذا الوقت ألف صوت ونقل الأصبهاني عن محمد بن القاسم أنه جمع غناءها من ديواني ابن المعتز وأبي العبيس بن حمدون وما أخذه عن بدعة جاريتها فقابل بعضه ببعض فكان ألفا ومائة وخمسا وعشرين صوتا.
ودخل بن هشام على المعتز وهو يشرب وعريب تغني فقال له: يا ابن هشام، عن فقال: يا ابن هشام، عن فقال: تبت عن الغناء، مذ قتل سيدي المتوكل فقالت له عريب: والله أحسن حيث تبت فإن غناءك كان قليل المعنى لا متقن ولا صحيح