ولا طريب فأضحكت أهل المجلس جميعا منه فخجل فكان بعد ذلك يبسط لسانه فيها ويعيب صنعتها ويقول: هي ألف صوت في العدد وصوت واحد في المعنى وهي مثل قول أبي دلف في خالد بن يزيد حيث يقول:
يا عين بكى خالدا ... ألفا ويدعى واحدا
قال الأصبهاني: وليس الأمر كما قال: إنها لصنعة شبهت فيها صنعة الأوائل وجودت وبرزت.
منها: أأن سكنت نفسي وقل عويلها. ومنها: يقول همي يوم ودعتها. ومنها: إذا أردت انتصافا كان ناصركم وعدد لها جملة أصوات في الأغاني لا لزوم لذكرها هنا وقيل: إن مولى عريب خرج إلى البصرة وأدبها وخرجها وعلمها الخط والنحو والشعر والغناء فبرعت في ذلك كله وتزايدت حتى قالت الشعر، وكان لمولاها صديق يقال له حاتم بن عدي من قواد خراسان. وقيل: إنه كان يكتب لعجيف على ديوان الفرض فكان مولاها يدعوه كثيرا ويخالطه، ثم ركبه دين فاستتر عنده فمد عينه إلى عريب فكاتبها فأجابته وكانت المواصلة بينهما وعشقته عريب، فلم تزل تحتال حتى اتخذت سلما من عقب وقيل: من خيوط غلاظ وسترته حتى إذ همت بالهرب إليه بعد انتقاله عن منزل مولاها بمده وقد أعد لها موضعا لفت ثيابها وجعلتها في فراشها بالليل ودثرتها بدثارها، ثم تسورت من الحائط حتى هربت فمضت إليه فمكثت عنده زمانا.
وقيل: إنها لما صارت عنده بعث إلى مولاها يستعير منه عودا تغنيه به فأعاره عودها وهو لا يعلم أنها عنده ولا يتهمه بشيء من أمرها فقال عيسى بن عبد الله بن إسماعيل المراكبي وهو عيسى بن زينب يهجو أباه ويعيره بها وكان كثيرا ما يهجوه:
قاتل الله عريبا ... فعلت فعلا عجيبا
ركبت والليل داج ... مركبا صعبا مهوبا
فارتقت متصلا بالنج ... م أو منه قريبا
صبرت حتى إذا ما ... أقصد النوم الرقيبا
مثلت بين حشايا ... هالكي لا تستريبا
خلفا منها إذا نو ... دي لم يلف مجيبا
ومضت يحملها الخو ... ف قضيبا وكثيبا
محة لو حركت خف ... ت عليها أن تذوبا
فتدلت لمحب ... فتلقاها حبيبا
جذلا قد نال في الدن ... يا من الدنيا نصيبا
أيها الظبي الذي تس ... حر عيناه القلوبا
والذي يأكل بعضا ... بعضه حسنا وطيبا
كنت نهبا لذئاب ... فلقد أطعمت ذيبا
٣ وكذا الشاة إذا لم=يك راعيها لبيبا
لا يبالي وبأ والمر ... عى إذا كان خصيبا
فلقد أصبح عبد الله ... كشخان حريبا
قد لعمري لطم الوجه ... وقد شق الجيوبا