وجرت منه دموع ... بلت الشعر الخضيبا
وأخبر بعضهم أنها ملته بعد ذلك فهربت منه فكانت تغني عند أقوام عرفتهم ببغداد متسترة متخفية، فلما كان يوم من الأيام اجتاز ابن أخ للمراكبي ببستان كانت فيه مع قوم تغني تسمع غناءها فعرفه فبعث إلى عمه من وقته وأقام هو بمكانه فلم يبرح حتى جاء عمه فلببها وأخذها فضربها مائة مقرعة وهي تصيح يا هذا لست أصبر عليك امرأة حرة إن كنت مملوكة فبعني لست أصبر على الضيقة فلما كان من غد ندم على فعله وسار إليها فقبل رأسها ورجلها ووهب لها عشرة آلاف درهم ثم بلغ محمدا الأمين خبرها فأخذها منه قال وكان خبرها سقط إلى محمد في حياة أبيه فطلبها منه فلم يجبه إلى ما سأل وقبل ذلك كان طلب منه خادما عنده فاضطغن لذلك عليه فلما ولى الخلافة جاء المرابي ليقبل يده فأمر بمنعه ودفعه ففعل ذلك الشاكري فضربه المراكبي وقال له: أتمنعني من يد سيدي أن أقبلها فجاء الشاكري لما نزل محمد فشكاه فدعا محمدا بالمراكبي وأمر بضرب عنقه فسأل في أمره فأعفاه وحبسه وطالبه بخمسمائة ألف درهم مما اقتطعه من نفقات الكراع وبعث فأخذ عريب من منزله مع خدم كانوا له، فلما قتل محمد هربت إلى المراكبي فكانت عنده قال: وأنشدني بعض أصحابنا لحاتم بن عدي الذي كانت عنده لما هربت إليه، ثم ملته فهربت منه وهي أبيات هذان منها:
ورشوا على وجهي من الماء واندبوا ... قتيل عريب لا قتيل حروب
فليتك إذ عجلتني فقتلتني ... تكونين من بعد الممات نصيبي
وقد ذكر بعضهم رواية تخالف هذه وهي أنها هربت من دار مولاها المراكبي إلى محمد بن حامد الخاقاني المعروف بالخشن أحدقوا خراسان قال: وكان أشقر أصهب الشعر أزرق وفيه تقول عريب ولها فيه هزج ورمل من روايتي الهشامي وأبي العباس:
بأبي كل أزرق ... أصهب اللون أشقر
جن قلبي بي ولي ... س جنوني بمنكر
وقيل: إن ابن المدبر قال: خرجت مع المأمون إلى أرض الروم أطلب ما يطلبه الأحداث من الرزق فكنا نسير مع العسكر، فلما خرجنا من الرقة رأينا جماعة من الحرم في العماريات على الجمازات وكنا رفقة وكنا أترابا فقال لي أحدهم على بعض هذه الجمازات عريب فقلت: من يراهنني أمر في جنبات هذه العماريات وانشد أبيات عيسى بن زينب:
قاتل الله عريبا ... فعلت فعلا عجيبا
فراهنني بعضهم وعدل الرهنان وسرت إلى جانبها فأنشدت الأبيات رافعا صوتي بها حتى أتممتها فإذا أنا بامرأة قد أخرجت رأسها فقال: يا فتى أنسيت أجود الشعر وأطيبه أنسيت قوله:
وعريب رطبة الشف ... رين قد نيكت ضروبا
اذهب فخذ ما بالغت فيه ثم ألقت السجف فعلمت أنها عريب وبادرت إلى أصحابي خوفا من مكروه يلحقني من الخدم.
وقال عمر بن شبة كانت للمراكبي جارية يقال لها: مظلومة. جملية الوجه، بارعة الحسن، فكان يبعث بها مع عريب إلى الحمام أو إلى من تزوره من أهله ومعارفه فكانت ربما دخلت معها إلى ابن حامد الذي كانت تميل إليه، فقال فيها بعض الشعراء: