للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

الأخرى أخرجت لصائغها ودلالها فجاء الفضل بن مروان إلى المأمون وقد رأى ذلك فأنكره وسألني عنه فقلت: نعم هو ما رأيت، فسأل المأمون عن ذلك.

وقال: أوجب لدلال وصائغ مائة ألف درهم وغلظ القصة فأنكرها المأمون فدعاني ودنوت إليه أخبرته المال الذي خرج فيثمن عريب وصلة إسحاق وقلت: أيما أصوب يا أمير المؤمنين ما فعلت، أو أثبت في الديوان أنها خرجت في صلة مغن وثمن مغنية فضحك المأمون وقال: الذي فعلت أصوب، ثم قال للفضل بن مروان: يا نبطي لا تعترض على كاتبي هذا في شيء،. وقيل: إن عريب لما صارت في دار المأمون احتالت حتى واصلت محمد بن حامد وكانت عشقته وكاتبته.

ثم احتالت في الخروج إليه وكانت تلقاه في الوقت بعد الوقت حتى حلبت منه وولدت بنتا، وبلغ ذلك المأمون فزوجه إياها، وأخبر بعضهم أنه لما وقف المأمون على خبرها مع محمد بن حامد أمر بإلباسها جبة صوف وختم زيقها وحبسها في كنيف مظلم شهرا لا ترى الضوء يدخل إليها خبز وملح وماء من تحت الباب في كل يوم، ثم ذكرها فرق لها وأمر بإخراجها، فلما فتح الباب وأخرجت لم تتكلم بكلمة حتى اندفعت تغني:

لو كان يقدر أن يبثك ما به ... لرأيت أحسن عاتب يتعتب

حجبوه عن بصري فمثل شخصه ... في القلب فهو محجب لا يحجب

فبلغ ذلك المأمون فعجب منها وقال: لن تصلح هذه أبدا فزوجها إياه، وذكر صاحب الأغاني أن المأمون اصطحب يوما ومعه ندماؤه وفيهم محمد بن حامد وجماعة المغنين وعريب معه على مصلاه فأومأ محمد بن حامد إليها بقبلة فاندفعت تغني ابتداء:

رمى ضرع ناب فاستمرت بطعنة ... كحاشية البرد اليماني المسهم

تريد بغنائها جواب محمد بن حامد بان تقول له طعنة فقال لها المأمون أمسكي، فأمسكت ثم أقبل على الندماء فقال: من فيكم أومأ إلى عريب بقبلة إليها والله لئن لم يصدقني لأضربن عنقه فقال محمد بن حامد فقال: أنا يا أمير المؤمنين أومأت إليها والعفو أقرب للتقوى. فقال: قد عفوت، فقال: كيف استدل أمير المؤمنين على ذلك.

قال: ابتدأت صوتاً لوهي لا تغني ابتداء إلا لمعنى، فعلمت أنها لم تتبدئ بهذا الصوت إلا لشيء أومئ به إليها ولم يكن من شرط هذا الموضع إلا إيماء بقبلة فعلمت أنها أجابت بطعنة. ومن شعرها في محمد بن حامد:

ويلي عليك ومنكا ... أوقعت في الحق شكا

زعمت أني خؤن ... جورا علي وإفكا

فأبدل الله ما بي ... من ذلة الحب نسكا

وأخبر بعضهم أنها كانت تتعشق أبا عيسى بن الرشيد. وروى غيره أنها ما عشقت أحدا من بني هاشم أصفته المحبة من الخلفاء وأولادهم سواه وكانت لا تضرب المثل إلا بحسن وجه أبي عيسى وحسن غنائه.

وروى أن عريب كانت تتعشق صالحا المنذري الخادم وتزوجته سرا فوجه به المتوكل إلى مكان بعيد في حاجة له فقالت:

أما الحبيب فقد مضى ... بالرغم عني لا الرضا

أخطأت في تركي لمن ... لم ألق منه معوضا

قال: فغنته يوما بين يدي المتوكل فاستعاده مرارا وشرب عليه يوما. ودخلت عليها إحدى جواري المتوكل فقالت لها: تعالي إلي، فجاءت. فقالت: قبلي هذا الموضع مني فإنك

<<  <   >  >>