للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

تجدين ريح الجنة. وأومأت إلى صدغها ففعلت، ثم سألتها عن السبب في ذلك قالت: قبلني صالح المنذري في هذا الموضع.

وقال عبد الله بن حمدون: إن عريب زارت محمد بن حامد ذات يوم وجلسا جميعا للمنادمة فجعل يبث شوقه إليها ويعاتبها على بعض أشياء فعلتها ويقول لها: فعلت كذا وذكا، فالتفتت إليه وقالت: يا هذا، أرأيت مثل ما نحن فيه، ثم أقبلت عليه وقالت: يا عاجز دعنا الآن في انشراحنا وإذا كان الغد فاكتب لي بعتابك ودع الفضول فقد قال الشاعر:

دعي عد الذنوب إذا التقينا ... تعالي لا أعد ولا تعدي

وقال إسحاق بن كندا: حين كانت عريب تولع بي وأنا حديث السن فقالت لي يوما: يا إسحاق قد بلغني أن عندك دعوة فابعث إلي بنصيبي منها قال: فاستأنفت طعاما كثيرا وأرسلت إليها منه شيئا كثيرا فأقبل رسولي من عندها مسرعا فقال لي لما بلغت إلى بابها وعرفت خبري أمرت بالطعام فأنهب وقد وجهت إليك برسول معي وها هو في الباب، فلما سمعت ذلك تحيرت وظننت أنها قد استقصرت فعلي، فدخل الخادم ومعه شيء مشدود من منديل ورقعة فقرأت الرقعة فإذا فيها: بسم الله الرحمن الرحيم يا عجمي، يا غبي أظننت أني من الأتراك ووحشي الجند فبعثت إلي بخبز ولحم وحلواء. الله المستعان عليك يا فدتك نفسي قد وجهت إليك زلة من حضرتي فتعلم ذلك من الأخلاق ونحوها من الأفعال ولا تستعمل أخلاق العامة في الظرف فيزداد العيب والعتب عليك إن شاء الله فكشفت المنديل فإذا فيه طبق ومكبة من ذهب منسوج على عمل الخلافة وفيه زبدية فيها لفتان من رقاق وقد عصبت طرفيهما وفيهما قطعتان من صدر دجاج مشوي وبقل وطلع وملح، ثم انصرف رسولها.

وعن علوية قال: أمرني الممون أنا وسائر المغنين في ليلة من الليالي أن نصير إليه بكرة ليصطبح فغدونا ولقيني المراكبي مولاة عريب في الطريق وهي - يومئذ عنده- فقال لي: يا أيها الرجل الظالم المعتدي، أما ترق وترحم وتستحي، عريب هائمة بك وتحب أن تراك. قال علوية: أم الخلافة زاينة إن تركت عريب بها، ومضيت معه، فحين دخلت قلت له: استوثق من الباب فإني أعرف خلق الله بفضول البوابين والحجاب فدخلت وإذا عريب جالسة على كرسي يطبخ بين يديها ثلاث قدور فجلسنا واحضر الطعام فأكلنا ودعونا بالنبيذ فجلسنا نشرب. ثم قالت: يا أبا الحسن صنعت البارحة صوتا في شعر لأبي العتاهية فقلت: وما هو؟ فقالت:

عذيري من الإنسان لا إن جفوته ... صفا لي ولا إن كنت طوع يديه

وإني لمشتاق إلى قرب صاحب ... يروق ويصفو إن كدرت عليه

وقالت لي قد بقي فيه شيء فلم نزل نكرره ونردده أنا وهي حتى استوى، ثم جاء حجاب المأمون فكسروا باب المراكبي واستخرجوني، فدخلت على المأمون، فلما رأيته أقبلت أمشي إليه برقص وتصفيق وأنا أغني الصوت فسمع هو ومن عنده ما لم يسمعوه واستظرفوه وطربوا منه جدا وسألني فأخبرته الخبر فقال لي: ادن مني وردده، فرددته سبع مرات فقال أبي في آخر مرة: يا علوية خذ الخلافة وأعطني هذا الصاحب.

قال القاسم بن زرزور: حدثتني عريب قالت: كنت في أيام محمد ابنة أربع عشرة سنة وكنت أصوغ الغناء وأنا في ذلك السن. قال القاسم: وكانت عريب تكايد الواثق فيما يصوغه من الألحان وتصوغ في ذلك الشعر بعينه لحنا فيكون أجود من لحمه فمن ذلك:

<<  <   >  >>