معه ولم يمكث بها كثيرا ورجع إلى الأستانة ومع ذلك فإنها أينما توجهت فإنها مشتغلة بالعلوم والمعارف.
وفي سنة ١٢٩٥ هجرية لتولى والدها ولاية سورية فتوجهت معه وأقامت مدة في دمشق الشام، ثم أقامت شتاء في بيروت ورجعت برجوع والدها إلى الأستانة.
وكان أول ما اشتغلت به من العلوم من سن الطفولية تعلم أصول القراءة والكتابة التركية، وتلقت دروس العربية والفارسية من عدة معلمين خصوصيين مختلفي الطبقات، ثم اشتغلت بتحصيل اللغة الفرنساوية وأتمت الحصول عليها بواسطة آنسة باريسية، ولما كانت في سورية تقدمت في تحصيل اللغة العربية بكافة فنونها من بديع وعروض ونحو وبيان وخلافه.
أما العوم العقلية من توحيد وكلام ومنطق، ورياضة وهندسة، وحساب فإنها أخذتها عن والدها بأحسن مأخذ. وأما علم الموسيقى فإنها أخذته بكامل أنواعه وفروعه عن ماهرين فيه من ترك وعرب وفرس وإفرنج حتى فاقت أهل زمانها فيه.
والذي يرى تفرغها لهذه العلوم يظن أنها أهملت أهمما يلزم للمخدرات من الأشغال المنزلية حالة كونها لم تهمل دوام التقدم في الأشغال اللازمة للمخدرات وقد تفردت بذلك بين مثيلاتها وفاقت كثيرات من قريناتها.
وافتتحت لذاتها منهاجا خصوصيا في الإنشاءات الكلامية ولكنها لم تقتدر على التفرغ لنشر الآثار بالنسبة لاشتغالها في أول المر بالشؤون التي هي طبيعية الحصول لطائفة النساء كتدبير المنزل وتربية الأولاد. ولما عمت العلوم والمعارف في هذا العصر الحميدي إلى عموم الممالك العثمانية وخصوصا في الأستانة العلية، وابتدأ بعض المخدرات العثمانية في نشر الآثار والاشتراك في خدمة التأليف وغيرها ابتدرت المترجمة أن تسابق هاتيك المخدرات فترجمت رواية (دولانته) تأليف (جورج أدنا) أحد مشاهير أدباء الفرنساويين من اللغة الفرنساوية إلى التركية وسمتها باسم (مرام) وأبدعت فيها كل الإبداع من جهة الأسلوب والسياق وهي أول آثار براعتها ولكنها ضنت باسمها فلم تذكره بل أخفته صونا واحتجابا، وانتظرت أقوال أدباء العصر عنها ولم يتكامل نشرها حتى ظهرت علائم استحسان الأدباء للطراز الجديد الذي جرت عليه في عباراتها، وقد احتفل بها العلامة أحمد مدحت أفندي محرر جرنال (ترجمان حقيقت) التركي العبارة. وكتب جملة فصول عنها وشوقها إلى خدمة العلوم والآداب.
وكثر الكلام بين أدباء العثمانيين عن سياق هذه الرواة بالنظر لخفاء اسم مترجمتها ولكن عضدها فيه مدحت أفندي وأمثاله من فضلاء الأتراك وأظهروا لهم حقيقة حالها.
وبناء على تعضيد وتنشيط مدحت أفندي لها أظهرت اسمها، وابتدأت المباحثات العلمية والأدبية بينها وبينه وصارت تكتب المقالات العديدة وترسلها تحت إمضائها فتنشر في (ترجمان حقيقت) ، وذلك اشتهرت بين الأدباء اشتهارا عظيما.
ولما شاع ذكرها في الآفاق وسمعت بها نساء الإفرنج السائحات صرن أول ما يردن على الأستانة يقصدن منازل السيدات العثمانيات المتصفات بالفضيلة ويزرن المترجمة ويذاكرنها في العلوم والمعارف والفنون فيجدن منها فاضلة أديبة.
وقد جرت بينها وبين ثلاثة من سيدات الإفرنج السائحات محاورات مهمة كتبتها في رسالة وسمتها باسم