(نساء الإسلام) وقد نشرت في جريدة ترجمان حقيقت سنة ١٨٩٢ إفرنجية وترجمتها عنها جريدة ثمرات الفنون التي تطبع في بيروت من التركية إلى العربية، ثم ترجمت هذه الرسالة إلى الفرنساوية والإنكليزية وبلغت حدها من الاشتهار.
وبما أنها جاءت أحسن مقالة أنشئت من ذوات القناع، لما فيها من حسن البلاغة والإبداع رأيت أن أدرجها عقيب هذه الترجمة وإن كان فيها طول لما فيها من الفائدة وأثرا لهذه الفاضلة.
وللمترجمة رواية تركية عثمانية وسمتها باسم (محاضرات) نشرتها بأسلوبها التركي البديع في الأستانة العلية.
وبالجملة فإن المترجمة قد تفننت في العلوم الرياضية والفلسفية والطبيعية كل التفنن ومزجت العلوم الشرقية بالعلوم الغربية حتى صارت من مفاخر المخدرات الإسلامية ولم يضاهها أحد من النساء الشرقيات والغربيات، وهي الآن مقيمة بالأستانة العلية كثر الله من أمثالها ووسع الله بها العلوم والمعارف على جنسنا النسائي. وها هي الرسالة الموعود بإدراجها قالت: " لما كان النوع الإنساني مدينا بالطبع ومحتاجا إلى التعاون والتعاضد مع بعضه البعض تكمن في كل جهة من عقد روابط الجمعية وبسط بساط المدنية واستكمال حاجاته الضرورية، ثم تسنى له بالتدريج استحصال حوائجه الكمالية أيضا وعلى هذا الوجه ظهر اختلاف في اللغات في أي الأطراف ونشأ تباين في العرف والتعامل يخالف بعضه بعضا، وقد أدى اختلاف اللسان والمكان إلى إيجاد مباينة كلية بين الملل والأقوام حتى أنه من القديم أخذ كل فرد من هاته الملل يعيش في عالمه الصغير في حالة العزلة والانفراد لا يعلم شيئا من أحواله سواه.
أجل إن الملل المذكورة لم تكن خلوا من وسائط المواصلات كالقوافل والسفن إلا أنه بالنظر إلى صعوبة الأسفار البرية والبحرية وقلة الواردات كان أهالي البلاد البعيدة غير واقفين تمام الوقوف على أحوال غيرهم من أبناء النوع الإنساني وكان إذا ظهر حادث في جهة من أوروبا لا يمكن العلم به إلا بعد سنة كاملة ومثل ذلك كانت سائر البلاد الأوروبية أيضا لا تسمع بحوادث العالم إلا بعد مرور زمن طويل.
ولما أنشئت السفن التجارية كثرت الواردات وحصلت السرعة والسهولة في النقل والحركة، وقد ازدادت هذه السرعة والسهولة في الأسفار والسياحات زيادة تذكر بواسطة الطرق الحديدية، ثم اخترع التلغراف فكان واسطة للمخابرات بنسبة هذه السرعة في الأسفار حتى إن الحوادث التي كانت لا تعلم في البلاد البعيدة إلا بعد سنة صار يمكن الوقوف عليها في خلال ساعة واحدة، وبالجملة فإن العالم دخل فيطور جديد يختلف عن الطرز الأول وعلى ذلك فإن الأوربيين المشتغلين بتحقيق وتدقيق جميع الأشياء وإن كانوا قد ابتدأوا في بذل الجهد رغبة منهم في الاطلاع على خصوصيات أحوالنا قد تبين لي في خلال المحاورات التي وقعت بيني وبين بعض النساء الأوروبيات من معتبري السواح أن ظنون الإفرنج المتعلقة بنا هي من حيث الخطأ والوهم في صورة موجبة للتعجب حقيقة حتى إنني عندما سمعت هذه الأخبار الكاذبة من المرمى إليهن تعجبت تعجبا يضاهي استغرابهن مما يلقينه من الأخبار الفاسدة المغلوطة وظننت إنهن إنما يجئن عن غيرها من الملل.