ومع ذلك فإن الكلام الذي سمعته من هؤلاء السائحات إنما هو مندرج في الآثار الأوروبية المكتوبة على شكل كتب السياحة وعلى هاته الحال فإن كتب السياحات المذكورة ليست من كتب المعلومات الباحثة عن حقائق الأحوال وإنما أكثر مندرجاتها تشبه الحكايات الخيالية التي كتبت على طرز القصص الرومان، فهذه الأوهام والخطيئات كيف نشأت يا ترى؟ وهل هي منبعثة عن أغراض الأوروبيين الخصوصية؟ كلا إن السواح المعتبرين يبذلون قصارى جهدهم وينفقون نقودهم في سبيل الوقوف على الحقائق المنتشرة في آفاق وأقطار العالم ليستفيد من علمهم واطلاعهم كل فرد من أفراد مواطنيهم فيجب والحالة هذه أن نفتش عن هذا القصور عندنا إذ أنه من موجبات كمال التحري عن قصور الذات، ومن يقيس قبائحه بعد توفيقها على قبائح غيره يكن لا شك في جانب الحق والصواب، ويفز برفعة القدر وعلو الجناب.
معلوم أن والوقوف على أفكار الأهالي عاداتهم كما ينبغي لا يحصل ولا يتم بالتجول في أسواق البلد وطرقه ومشاهدة مواقفه المشهورة وإنما لأجل الوقوف على أحوال إحدى الملل الحقيقية يجب الاجتماع بالذكور والإناث والأخذ معهم بأطراف الحديث، ولما كانت النساء عندنا متحجبات كان الاجتماع بهن مستحيلا على الرجال ومع ذلك فإن كثيرا يوجد بين هؤلاء السواح نساء لا تقل معارفهن عن معارف الرجال فيمكن بواسطتهن أن يطلع سائر السواح أيضا على أحوال نساء المسلمين الحقيقية بمزيد السهولة لكن هؤلاء النساء العارفات أيضا لا يمكن أن يفهمن بمجرد دخولهن على عائلة لا يفهمن لغتها فإنهن يكن حينئذ كالخرس ويكتفين بتبادل النظرات.
أجل إن لدينا في الوقت الحاضر عددا من النساء اللاتي يعرفن اللغة الفرنساوية على أن قسما كبيرا منهن قد تربين تربية إفرنجية صرفة بمعرفة المربيات الأوروبيات المعروفات باسم "الستينوتريس" فتعلمن اللغة الفرنساوية لا لأجل اكتساب المعارف والعلم، وإنما غربة منهن في أن يكن إفرنجيات محضا، ولما كن جاهلات للأحكام الشرعية وكن قد نبذن عادتهن الملية ظهريا وعشن عيشة إفرنجية كان الاجتماع بهن والأخذ بأطراف الحديث معهن نظير محادثة العيال الإفرنجية في (بك أوغلي)(قسم من دار السعادة يسكنه الإفرنج) فلا يستفيد محادثتهن فائدة بالكلية ولا يفهم منهن شيئا على الإطلاق، وهاته العيال السالكة مسلك التقليد إذا رغب إليهن أحد في الحصول على المعلومات المتعلقة بأصول المعيشة الإسلامية مما يكن قد نبذته نبذ التواة سكتن عن بيان استقامة وطهارة الدين المبين الإسلامي (من حيث إنهن قليلات العلم بذلك) وأخذن في الكلام بحدة وشدة عن مسائل الحجاب زاعمات أن العادات الملية مقتبسة عن الأحكام الشرعية وبالجملة فإنهن يبحثن في أشياء لا علم لهن بها فيكن سببا لمفتريات وإسنادات بعض الأجانب على الدين المطهر الذي استنرنا بمشكاته وتشرفنا بآياته.
والغالب أن النساء اللاتي قدمن إلى مدينتنا من أوروبا بقصد السياحة قد أدركن هذه الدقائق فإنهن كثيرات الرغبة في الاجتماع بالعيال الإسلامية التي ما برحت عائشة على النسق السابق والأصول القديمة.
وإنه يوجد قسم من العيال الإسلامية أيضا بحسب أفرادهم يعتقدون أن في تعليم النساء العلوم والمعارف إثما حتى إنهم لا يتعصبون فقط بأمر تعلمهن اللغة الفرنساوية بل يتعصبون أيضا في تدريس اللغة التركية ما زيدي عن اللزوم الضروري والحق يقال: إن هؤلاء ممن لا يعلمون ما بلغ إليه الأزواج المطهرات والبنات