الزاكيات وكثير من العالمات الأديبات التي كن في صدر الإسلام من رفيع الدرجات في العلم والفضل.
ومع أن كشف وجوه النساء غير محرم شرعا وإنما الواجب عليهن أن يسترن شعورهن فإنا نرى بعضا من نسائنا يحجبن وجوههن على عكس الإيجاب الشرعي ويكشفن شعورهن، والحاصل أن الحد الوسط مفقود عندنا تتلاعب بنا أمواج الحيرة في عباب التيه فلا ندري إلى أية جهة نسير، والحال أن الإفراط والتفريط في كل شيء مضر ومذموم، والاعتدال مشكور في جميع الأحوال فإن خير الأمور أوسطها، فبناء على ذلك يلزم على السواح كي يتمكنوا من الوقوف على حقائق الأحوال أن يجتمعوا ويتباحثوا مع العيال العارفة اللغة الفرنساوية العائشة على مقتضى الأصول الإسلامية حالة كونها محافظة على أحكامها الدينية، وأفكارها وعاداتها الملية، نعم إن تمييز ذلك مشكل بالنسبة إلى الغرباء إذ أن الأجانب الذين ينزلون في فنادق (بك أوغلي) يطرحون على التراجمة الذين لا يحيطون علما بما خرج عن عالم هذا المحل أسئلة بقصد الحصول على بعض الأنباء، فيأخذ هؤلاء التراجمة بالنظر إلى اضطراهم لتأدية الجواب في إلقاء كلمات لا معنى لها فيهرفون بما لا يعرفون وتصبح أحوالنا موضوعا للحكايات الخيالية.
ومن الأمور المعلومة عند سائر الأنام أن الأوروبيين لا يعترضون بشيء على أحكامنا الدينية الموافقة للحكمة والعقل وإنما يتخيلون ويظنون أن نساء المسلمين مظلومات معذورات فيطلقون ألسنتهم باللوم آخذات التشديد في هذا الباب.
بما أنني في خلال محاوراتي مع بعض السائحات المعتبرات قد اطلعت على أوهام الأوروبيين وفساد ظنونهم المتعلقة بنا، ولم يسعني ان أستر استغرابي من ذلك في خفايا القلب ورأيت نفسي مضطرة إلى بيان ما دار بيننا من الأحاديث في المحاورات المذكورة على الوجه الآتي: المحاورة الأولى في يوم من أيام شهر رمضان الشريف في السنة الماضية أي سنة ١٣٠٨ هجرية أخبرنا أن عقيلة أوروبية تدعى (مادام ف.) ، وراهبة زاهدة في الدنيا ترغبان في المجيء إلى منزلنا لمشاهدة طعام الإفطار، وبعيد العصر أقبلنا على المنزل وأخذتا تتنزهان في الحديقة الخارجية، ثم بعد مرور نصف ساعة أرسلتا تخبرنا أنهما داخلتان إلى المنزل، ولما كانت وظيفة الترجمة في منزلنا مفوضة لعهدة هذه العاجزة ذهبت لاستقبالهما في باب الحديقة تصحبني جاريتان لتحملا رداء ومظلة كل من الزائرتين.
وعند دخولهما رحبت بهما باللغة الفرنسية وتبادلنا المصافحة بالأيدي ثم إن (ما دام ف.) مدت يدها إلى الجارية التي كانت تصحبني وهي الجارية القائمة بخدمة رئيسة الخدم في منزلنا - لتصافحها، أما الجارية فإنها تناولت المظلة من يد المومى إليها الثانية، وانسحبت إلى الوراء وأخذت الجارية الثانية رداءهما وبرنيطتهما ودخلت بهما إلى قاعة الضيوف وبعد ذلك قدمت لهما صاحبة البيت وأفراد العائلة وعرفتهما بهن على مقتضى الأصول الجارية.
أما (مادام ف.) فهي امرأة بين الخامسة والثلاثين إلى الأربعين من العمر، والراهبة بين الأربعين إلى الخامسة والأربعين من سني الحياة، وقد علمت أن (مادام ف.) المومى إليها وزوجها والراهبة أيضا لم يأتوا إلى دار السعادة قبل هذه المدة وبعد أن أكرمناهما بالحلوى والقهوة على النسق التركي طلبت (مادام ف.) أن